يحصل له اليقين بأنّه لا حيلة له في التخلّص من كيد الشّيطان وحيله ، والنّجاة من أيدي ذلك العدوّ وحبائله ، مع شدّة بطشه وكثرة خيله ورجله ، إلّا التّحصّن بحصن الله الحصين والاستجارة بركنه الرّكين ، فعند حصول الالتجاء بجنابه ، يتضرّع إليه بلسانه ، ويقول : يا إلهي السّميع لمقالي ، العليم بضرّي وعجزي واستئصالي وضعف قوّتي وسوء حالي ، احفظني وامنعني من بأس الشّيطان وضرّه ، واحرسني من كيده وشرّه ، فعند ذلك تشمله العناية فيحصل له الامتناع من
وساوسه ، والسّلامة من دسائسه.
ثمّ اعلم أنّ للشّيطان في القرآن أسماء مشؤومة ، وألقابا مذمومة ، وإنّما وصف هنا بالرّجيم لكونه أجمع لمساوئه ، فإنّه جامع لجميع ما يقع عليه من العقوبات ، لأنّ المطروديّة من مقام الرّحمة من أشدّها ، ومستتبع لجميع الدّركات.
وأمّا عداوته للإنسان ، فمع أنّها معلومة بدلالة كثير من الآيات ، والمتواتر من الرّوايات ، يظهر تفصيلها مما روي عن ابن عبّاس ، قال : خرج النبي صلىاللهعليهوآله ذات يوم من المسجد ، فإذا هو بإبليس ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما الذي جاء بك إلى باب مسجدي ؟ » قال : يا محمّد ، جاء بي الله. قال : « فلم ذا ؟ » قال : لتسألني عمّا شئت.
فقال ابن عبّاس رضى الله عنه : [ فكان ] أوّل شيء سأله الصلاة. فقال [ له ] : « يا ملعون لم تمنع أمّتي عن الصلاة بالجماعة ؟ » قال : يا محمّد ، إذا خرجت أمّتك إلى الصلوات تأخذني الحمّى الحارّة ، فلا تندفع حتّى يتفرّقوا.
قال صلىاللهعليهوآله : « لم تمنع أمّتي عن الدعاء ؟ » قال : عند دعائهم يأخذني الصّمم والعمى ، فلا يندفع حتّى يتفرّقوا.
قال صلىاللهعليهوآله : « لم تمنع أمّتى عن القرآن ؟ » قال عند قراءتهم أذوب كالرّصاص.
قال صلىاللهعليهوآله : « لم تمنع أمّتي عن الجهاد » قال : إذا خرجوا إلى الجهاد يوضع على قدمي قيد حّتى يرجعوا ، وإذا خرجوا إلى الحجّ اسلسل وأغلل حتّى يرجعوا ، وإذا همّوا بالصّدقة توضع على رأسي المناشير فتنشرني كما ينشر الخشب (١) .
أقول : الظاهر أنّ الحمّى والصّمم ، والعمى ، والذّوب ، والقيد ، والتّغليل ، والتنّشير ، جميعها كنايات
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٥.