إقوائيّة منشأ قبح الزنا من منشأ قبح النظر والقبلة ، ومنشأ حسن العدل من منشأ حسن الإحسان ، وكذلك تتفاوت الجهات الخارجيّة الطارئة على العمل لوضوح تفاوت مراتب عظمة المولى ومقدار حقوقه ونعمه ، ودرجات تأكّد طلبه وأهميّة غرضه ، وتفاوت قبح معصيته وحسن طاعته بذلك التفاوت ، فإنّ في ارتكاب مخالفة المولى هتك حرمته والجرأة عليه وتضييع حقّ مولويّته وكفران نعمته ، وفي طاعته تعظيمه وحقظ حدوده وأداء حقّه وشكر نعمته ، فكلّما ازداد المولى عظمة ونعمة ازداد عصيانه قبحا وطاعته حسنا.
إذا تمهّد ذلك نقول : لا شبهة أنّ عظمته سبحانه وتعالى بلا نهاية ، ونعمته غير معدودة ، فلا بدّ أن يكون شدّة قبح مخالفته وحسن طاعته وكذا استحقاق العبد العقوبة على الأولى والمثوبة على الثانية غير متناهيين ، ثمّ لمّا كان الثّواب والعقاب غير المتناهيين شدّة وكيفيّة غير ممكن الوجود ، فلا بدّ من أن يكون الواقع محدودا وإن كان الاستحقاق فوقه.
ولا شبهة أنّ العذاب الجسمانيّ زائدا على الآلام الروحانية ممكن الوجود فلا بدّ من الحكم باستحقاقه ، وكذلك الثّواب ، فإذا ثبت الاستحقاق فلا بدّ أن تكسى الروح كسوة الجسد ليصير قابلا لذوق العذاب الأشدّ.
إن قيل : إعادة الجسم واجبة إذا كان العذاب الجسمانيّ واجبا ، وأمّا مع حسن العفو فلا.
قلنا : مصداق العفو عن العذاب الجسمانيّ لا يتحقّق إلّا مع إمكان العذاب وهو موقوف على وجود الجسم.
إنّ قيل : سلّمنا وجوب إيجاد جسم تتعلّق به الرّوح لإمكان العذاب الجسمانيّ أو العفو عنه ، إلّا أنّه لا نسلّم وجوب إعادة الجسم الذي كان الروح متعلّقا به في الدنيا.
قلنا : لا بدّ من القول بوجود مرجّح في الخلق الأوّل لعروض الصورة المخصوصة على مادّتها الخاصّة ، ولحلول الروح الخاصّ في الجسد المخصوص لئلا يلزم التّرجيح بلا مرجّح ، وليس إلّا التناسب والسنخيّة بين العارض والحال ، وبين المعروض والمحلّ المخصوصين وعدمهما مع غيرهما ، وهذا المرّجع والمقتضي موجود في الخلق الثاني ، وعلى هذا لا يمكن تعلّق الروح المخصوص إلّا بذلك الجسد الذي كان متعلّقا به ، فيجب إعادته.
[٢] ومنها : أنّه لا شبهة في أنّ مقتضى لزوم سنخيّة الروح مع جسده الخاصّ به ، لزوم تعلّق الرّوح