ومشخّصات أفرادها إلى يوم القيامة ، وللاطّلاع على جميع المصنوعات والمخترعات التي تحدث إلى آخر الدّهر كما قال الصادق عليهالسلام : « وهذا البساط ممّا علّمه » .
فتعليم الأسماء يدلّ على تعليم المسمّيات بالدلالة الالتزامية ، ويدلّ عليه ما روي من أنه لمّا نفخ فيه من روحه علّمه أسماء المسمّيات - أي ألهمه - فوقع في قلبه ، فجرى على لسانه ما في قلبه بتسمية الأشياء ، فعلّمه جميع أسماء المسمّيات بجميع اللغات بأن أراه الأجناس التي خلقها ، وعلّمه أنّ هذا اسمه فرس ، وهذا اسمه بعير ، وهذا اسمه كذا ، وعلّمه أحوالها وما يتعلّق بها من المنافع الدينيّة والدنيويّة ، وعلّمه أسماء الملائكة وأسماء ذريّته كلّهم ، وأسماء الحيوانات والجمادات ، وصنعة كلّ شيء ، وأسماء المدن والقرى ، وأسماء الطير والشجر وما يكون ، وكلّ نسمة يخلقها إلى يوم القيامة ، وأسماء المطعومات والمشروبات ، وكلّ نعيم في الجنّة ، وأسماء كلّ شيء حتّى القصعة والقصيعة ، وحتّى الجفنة والمحلب (١) .
وفي الخبر : لمّا خلق الله آدم بثّ فيه أسرار الأحرف ، ولم يبثّ في أحد من الملائكة ، فخرجت الأحرف على لسان آدم بفنون اللغات ، فجعلها الله صورا له ، ومّثلت له بأنواع الأشكال (٢) .
وفي خبر آخر : علّمه سبعمائة ألف لغة ، فلمّا وقع في أكل الشجرة سلب اللغات إلّا العربيّة ، فلمّا اصطفاه بالنبوّة ردّ الله عليه جميع اللغات (٣) .
أقول : هذا كمال علميّ وإحاطة بالمغيّبات لا يليق بها الملائكة ، حيث إنّه متوقّف على استعداد تامّ وكمال وجوديّ كان لآدم والطّيبّين من ذرّيّته.
﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أي أشباح الموجودات ، وفي الحديث « أنّه عرضهم أمثال الذّرّ » (٤)﴿عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ وإرجاع ضمير ذوي العقول إليهم ، إمّا لأنّ أشباح الموجودات في عالم الملكوت جميعها ذوو الأرواح والعقول ، وإمّا لتغليب جانب ذوي العقول منهم.
فقال الله تعجيزا لهم : ﴿أَنْبِئُونِي﴾ وأخبروني أيّها الملائكة ﴿بِأَسْماءِ هؤُلاءِ﴾ الأشباح والصور المثاليّة للموجودات ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى أفضليّتكم على ما أردت خلقه ، وأولويّتكم بخلافتي منه ، حيث كان الدعوى مستفادا من قولهم : ﴿أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ١٠٠.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٠٠.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٠٠.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٠١.