الْكافِرِينَ (٣٤)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه وتعالى سعة علمه وحكمة خلق آدم وتشريفه بالعلم وتنبيه الملائكة بفضله عليهم ، ناسب أن يذكر جملة من قضايا بدو خلقته ، حيث إنّ منها فوائد عظيمة من وجوب تعظيم العالم وذمّ الكبر والحسد ، ووخامة معصية الله وآثار التوبة وغير ذلك فقال سبحانه : ﴿وَإِذْ قُلْنا﴾ بعد خلق آدم وتشريفه بالعلم ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ كافّة وفيهم إبليس : ﴿اسْجُدُوا﴾ تعظيما وإكراما ﴿لِآدَمَ﴾ أو طاعة له وتعظيما للانوار الطيّبة المودعة في صلبه.
قال عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : « حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : يا عباد الله ، إنّ آدم لمّا رأى النّور ساطعا من صلبه - إذ كان الله
تعالى [ قد ] نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره - رأى النّور ولم يتبيّن الأشباح ، فقال : يا ربّ ما هذه الأنوار ؟ فقال عزوجل : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ، ولذلك أمرت الملائكة بالسّجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.
فقال آدم : يا ربّ لو بيّنتها لي. فقال الله عزوجل : انظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش ، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره ، كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية ، فرأى أشباحنا ، فقال : ما هذه الأشباح يا ربّ ؟
قال الله : يا آدم ، هذه أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي ، هذا محمّد وأنا الحميد المحمود في فعالي ، شققت له اسما من اسمي ، وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم ، شقت له اسما من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السّماوات والأرض ، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عمّا يعروهم ، وهذا الحسن وهذا الحسين ، وأنا المحسن المجمل ، شققت اسميهما من اسمي ، هؤلاء خيار خليقتي ، وكرام بريّتي ، بهم آخذ وبهم اعطي ، وبهم اعاقب ، وبهم اثيب ، فتوسّل بهم إليّ.
يا آدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك ، [ فإنّي ] آليت على نفسي قسما حقّا أن لا اخيّب بهم آملا ، ولا أردّ بهم سائلا ، فلذلك حين زلّت منه الخطيئة ، دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه ، وغفرت له » (١) .
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢١٩ / ١٠٢.