محمّد صلىاللهعليهوآله - مع كونه بعيدا عنه بمراحل - ظهور نقصه وقلّة معرفته بنفسه وبمقامهم ، حيث إنّ استدعاء من كان رتبته في باب السلطان خدمة الحضور أن يجعله السلطان رئيس وزرائه ، كاشف عن نقص إدراكه وعدم معرفته بشأن نفسه وشأن رئاسة الوزراء ، فاقتضت الحكمة تسليط الشّيطان عليه حتّى يعرف أنّ من يغرّه الشّيطان لا يليق أن يتمنّى المقام الشامخ الذي لمحمّد وآله صلوات الله عليهم ، ولعلّ هذا هو المراد من القرب إلى شجرة علم آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، وتسليط الشّيطان عليهما إيكالهما إلى نفسهما وعقلهما والتّخلية بينهما وبين الشّيطان ، وترك حفظهما عن كيده ، فصارت الزّلّة سببا لعلمه بنقصه وباعثا له إلى تكميل نفسه الشّريفة.
ثمّ إنّه تعالى لم يقتصر على نهيهما عن الأكل من الشّجرة ، بل أكّده ببيان سوء عاقبة عصيانه تتميما للّطف بقوله : ﴿فَتَكُونا﴾ بعصياني ومخالفة نهيي ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسكم حيث إنّكم تحرمون من النّعم وتبعدون عن جوار الله وتبتلون بمشاقّ المعيشة ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها﴾ بوسوسته ، وأوقعهما في الخبط عن الجنّة بخديعته.
روي « أنّ ابليس دخل بين لحيي الحيّة فأدخلته الجنّة ، وكان آدم يظنّ أنّ الحيّة هي التي تخاطبه ، وبدأ بآدم ، فقال : ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ﴾ إن تناولتما منها تعلمان الغيب وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله بالقدرة ، ﴿أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ لا تموتان أبدا ، ﴿وَقاسَمَهُما﴾ وحلف لهما ﴿إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾(١) فرد آدم على الحيّة ، فقال : أيّتها الحيّة ، هذا من غرور ابليس ، كيف يخوننا ربّنا ، أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النّظر ، وهو أكرم الأكرمين ؟ أم كيف أروم التوصّل إلى ما منعني منه ربّي وأتعاطاه بغير حكمه ؟ !
فلمّا أيس ابليس من قبول آدم منه ، عاد ثانية بين لحيي الحيّة ، فخاطب حوّاء من حيث يوهمها أنّ الحيّة هي التي تخاطبها ، وقال : يا حوّاء ، أرايت هذه الشجرة التي كان الله عزوجل حرّمها عليكما ! لقد أحلّها لكما بعد تحريمها لمّا عرف من حسن طاعتكما له ، وتوقيركما إيّاه ، وذلك أنّ الملائكة - الموكّلين بالشجرة - التي معها الحراب ، يدفعون عنها سائر حيوانات الجنّة ، ولا تدفعك عنها إن رمتها ، فاعلمي بذلك أنّه قد احلّ لك ، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة النّاهية فوقه.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠ - ٢١.