فقالت [ حواء ] : سوف اجرّب هذا ، فرامت الشجرة ، فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله إليها : إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته متمكّنا مميّزا مختارا ، فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحقّ ثوابي ، وإن عصى وخالف أمري استحقّ عقابي وجزائي. فتركوها ولم يتعرّضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم. فظنّت أنّ الله نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعد ما حرّمها. فقالت : صدقت الحيّة ، وظنّت أنّ المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئا ؛ فقالت لآدم : ألم تعلم أنّ الشجرة المحرّمة علينا قد ابيحت لنا ، فتناولت منها ولم يمنعني أملاكها ، ولم انكر شيئا من حالي ؟ ! فلذلك اغترّ آدم وغلط وتناول » (١) . الخبر.
إن قيل : كيف دخل الشّيطان الجنّة ولم تمنعه الخزنة ، مع أنّه اخرج منها وكان منهيّا عن الدخول فيها ؟ .
قلت : لعلّه كان منه عصيان آخر ، وإنّما لم يمنعه الخزنة لأنّ الله أراد ابتلاء الحيّة وآدم.
وما قيل في ردّه من أنّه كان منهيّا عن الدخول بارزا لا مختفيا ، ففيه : أنّ الظاهر من الأمر بالخروج هو حرمة الدخول عليه مطلقا ، بارزا ومستترا ، والظاهر أنّ وجه اختفائه بين لحيي الحيّة التحرّز - بزعمه - عن اطلاع الخزنة عليه ، وعن معرفة آدم وحواء إيّاه ، حيث إنّهما مع علمهما بكونه عدّوا لهما ؛ لم يكونا معتنيين بقوله.
إن قيل : إذا كان الشّيطان قادرا على أن يدخل بين لحيي الحيّة ، كان قادرا على أن يتصوّر بصورتها.
قلت : لعلّ وجه دخوله بين لحييها قصّد إغوائها وإيقاعها في الخطيئة وتبعيدها عن ساحة الرّحمة ، حيث كان همّه ذلك بالنسبة إلى جميع الخلق.
إن قيل : إذا لم يكن للحيّة عقل ، ولم يكن لها تكليف ، فكيف يتصوّر وقوعها في الخطيئة ؟
قلت : لعلّه كان لها في ذلك الوقت وذاك العالم مرتبة من العقل يصحّ معها تكليفها ببعض الامور ، فكانت إعانتها لإبليس على دخوله في الجنّة وموادّتها له خطيئة ومعصية.
إن قيل : إذا كان أكل آدم وحوّاء من الشجرة لاعتقاد إباحتها لهما ونسخ النّهي والتّحريم أو الكراهة والتنزيه ، كانا معذورين في المخالفة ، فكيف عوتبا وعوقبا عليها ؟
قلت : لعلّه كان اعتقادهما مستندا إلى التّقصير ، حيث إنّ الله تعالى باشر بذاته المقدّسة مخاطبتهما
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٢٢ / ١٠٤.