بالنّهي عن قرب الشجرة ، وأخبرهما بأنّ الشّيطان لهما عدوّ مبين ، فإذن كان عليهم التثبّت وانتظار الإذن الصّريح من الله تعالى ، ولم يكن لهما الاعتماد بقول الحيّة والأمارات الظّنّيّة ، فلمّا اعتمدا بقول من لا حجّة في قوله ، وعملا بالظّنّ النّاشئ عن الطّمع والهوى كان ذلك خلاف العزم والحزم ، ولذا قال تعالى في حقّ آدم : ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾(١) فقول الفخر الرازي : إنّ هذه الرواية ممّا لا يلتفت إليها (٢) ، لتوهّمه ورود بعض هذه الاشكالات عليها ، ممّا لا يلتفت إليه.
وعن ( العيون ) عن الرّضا عليهالسلام : « أنّ الله تعالى قال لهما : ﴿لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ، ولم يقل لهما : لا تاكلا من هذه الشّجرة ولا ممّا كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ، فأكلا من غيرهما لمّا أن وسوس الشّيطان إليهما » (٣) الخبر. وفيه إشعار بأنّه كان الأولى أن يراجع آدم عليهالسلام ربّه في إباحة ما كان من جنسها أو يحتاط ، فوسوس إليه الشّيطان وأوهمه نسخ حرمة تلك الشجرة الخاصّة لترتفع جهة الاحتياط ، وعليه كان جهة القبح في أكله أضعف ، ومخالفته أهون. ﴿فَأَخْرَجَهُما﴾ الشّيطان ﴿مِمَّا كانا فِيهِ﴾ من الجنّة ونعيمها ﴿وَقُلْنَا﴾ لآدم وحوّاء والحيّة وإبليس : ﴿اهْبِطُوا﴾ وتنزّلوا من الجنّة إلى الأرض في حال ﴿بَعْضُكُمْ﴾ مع نسله ﴿لِبَعْضٍ﴾ آخر ولذراريه ﴿عَدُوٌّ﴾ ومبغض.
قيل : كان إهباط الشّيطان بعد إخراجه من الجنّة إهباطا من حواليها.
ثمّ اعلم أنّ ظاهر غير واحد من الأخبار أنّ الجنّة التي كان آدم فيها كانت في السّماء ، ومقتضى ما مرّ (٤) من قول الصادق عليهالسلام « إنّها كانت من جنّات الدنيا تطلع عليها الشّمس والقمر » أنّها كانت في الأرض ، وعلى هذا يكون المراد من الإهباط الانتقال من أرض الجنّة الأرضيّة إلى أرض غيرها ، كقوله تعالى : ﴿اهْبِطُوا مِصْراً﴾(٥) .
في بيان حكمة إسكان آدم الجنّة مع أنّه خلق للخلافة في الأرض ، وحكمة ابتلائه بالخطيئة وتبعيده
إن قيل : مقتضى قوله تعالى : ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾(٦) أنّ خلق آدم كان للسّكونة (٧) في الأرض ، فلم أسكنه في الجنّة ؟
قلت : لعلّه لإظهار أنّ من لا ذنب له يستحقّ الجنّة.
__________________
(١) طه : ٢٠ / ١١٥.
(٢) تفسير الرازي ٣ : ١٥.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٩٦ / ١.
(٤) تقدّم في أول تفسير الآيتين (٣٥ و٣٦) من هذه السورة.
(٥) البقرة : ٢ / ٦١.
(٦) البقرة : ٢ / ٣٠.
(٧) كذا ومقتضى الاشتقاق أن يكون للسكن أو السّكنى.