اللّطف نصب الخليفة والسائس والمربّي والآمر والنّاهي لهم ، كذلك من كمال اللّطف تزيينه بالصّفات الحسنة والمكارم الجميلة ، وتنزيهه عن الأخلاق السيّئة وما يوجب نفرة الطباع واشمئزاز القلوب عن تبعيّته وانقياده ، حيث إنّه لا ريب أنّ صدور القبائح والمعاصي - ولو كان عن سهو ونسيان - موجب لانحطاط قدره وسقوطه عن الأنظار ، والاستنكاف عن تبعيّته وقبول طاعته ، وعدم تأثير نصحه وموعظته ، بخلاف ما إذا كان من بدو أمره وأوّل عمره منزّها عن الرّذائل ، مزيّنا بالأخلاق الحميدة والفضائل ، محترزا عن قبائح الأعمال مكترثا عن ذمائم (١) الخصال ، فإنّ له وقعا في القلوب ، وعظمة في الأنظار ، ومهابة في الصّدور ، ولكلامه أثر في النّفوس ، فيكون النّاس إلى اتّباعه أرغب ، ولأوامره ونواهيه أطوع.
ولمّا لم يكن في قدرته تعالى قصور عن إيجاد من هو واجد لهذه الخصال ، فالحكمة البالغة والرّحمة الشاملة مقتضية لايجاده واصطفائه للهداية والرّسالة ، وإلّا فهو مناقض لحكمته ، مخالف لشؤون لطفه ورحمته ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأمّا النّقل فلتراكم الآيات وتواتر الرّوايات على اعتبار العصمة بالدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة ، حتّى إنّ الأشاعرة المنكرين لوجوب اللطف ، والجاحدين للحسن والقبح ، ملتزمون بوجوب عصمة الأنبياء للأدلّة النقليّة.
في بيان حقيقة العصمة وملاكها
ثمّ لا يذهب عليك أنّه ليس المراد من امتناع صدور المعاصي والقبائح عنهم عدم قدرتهم عليها ، أو عدم وجود مقتضيها من الشّهوة والغضب فيهم ، بل المراد وجود المانع عن إرادتها فيهم ، وهو كمال عقلهم ، وشدّة يقينهم بعظمة الله ، ووفور علمهم بحقائق المعاصي وقباحتها وسوء آثارها ، كما يمتنع من العاقل الكامل العالم بحقيقة النّار ومضرّاتها إلقاء نفسه فيها ، أو من الملتفت بشدّة قذارة بعض الأقذار أكله منها ، بل لا يخطر بخاطره ، بل يتغيّر حاله من تصوّره.
فالعصمة من آثار قوّة العقل وكمال المعرفة واليقين ونورانيّة القلب والطّينة المأخوذة من أعلى علّيّين ، إذا عرفت ذلك فكلّ ما يكون في الآيات والرّوايات العاميّة والإماميّة من ظهور نسبة الخطأ والعصيان إلى الأنبياء والمرسلين والهداة المعصومين ، محمول على ما لا ينافي عصمتهم من فعل ما يكون تركه أولى وترك ما يكون فعله أحسن ، كما أنّ ما ظاهره نسبة العصيان إلى الملائكة الذين هم
__________________
(١) كذا والصحيح غير مكترث بذمائم.