ثمّ لمّا كان دأب علمائهم أن يأمروا بالبرّ والعبادات والصّدقات ، مع تركهم للعمل بها ، وبّخهم الله تعالى وقرّعهم بقوله : ﴿أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ والصّدقات والعبادات ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ تغفلون عن حقّها ، كأنّكم نسيتموها ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ﴾ وتقرءون ﴿الْكِتابَ﴾ وهو التّوراة الآمرة بالخيرات والصّدقات ، الناهية عن المنكرات ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ أنّ أنفسكم أحقّ بالأمر والنّهي ، وعقابكم مع علمكم أشدّ من عقاب الجهّال !
روي عن أنس ، قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « مررت ليلة اسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من النّار ، فقلت : يا أخي جبرئيل ، من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ، كانوا يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم » (١) .
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على جميع الناس.
وروي عن الصادق عليهالسلام قال : « من لم ينسلخ عن هواجسه ولم يتخلّص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته لا يصلح للأمر (٢) بالمعروف والنّهي عن المنكر ، لأنّه إذا لم يكن بهذه الصّفة ، فكلّ ما أظهر [ أمرا ] يكون حجّة عليه ، ولا ينتفع النّاس به ، قال الله تعالى : ﴿أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ ويقال له : يا خائن ، أتطالب خلقي بما خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك » (٣) .
ولا يذهب عليك أنّ هذه الرّواية لا تكون مقيّدة لوجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، لأنّهما واجبان مطلقان على جميع الخلق.
كما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه » (٤) .
بل يجب عليه تحصيل هذه الصّفات ، فلو ترك الأمر بالمعروف لعدم وجود هذه الصفات فيه ، لكان معاقبا على ترك العمل وترك الأمر ، كما أنّ من ترك العمل بالواجبات لعدم الإيمان الذي هو شرط في صحّة العمل ، كان معاقبا على ترك الإيمان والعمل.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣ : ٤٧.
(٢) في مصباح الشريعة : له الأمر.
(٣) مصباح الشريعة : ١٨.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٢٣.