الله عليه يقرأ سورة ﴿وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾(١) في صلاة الفجر ، قال : فلمّا انتهى إلى قوله : ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ﴾(٢) قال : خشيت أن يدركني العذاب فأسلمت (٣) .
وروي أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدّهريّة (٤) اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن ، وكانوا بمكّة ، وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل ، فلمّا حال الحول ، واجتمعوا في مقام ابراهيم عليهالسلام قال أحدهم : إنّي لمّا رأيت قوله : ﴿وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾(٥) كففت عن المعارضة.
وقال الآخر : وكذلك أنا ، لمّا وجدت قوله : ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا﴾(٦) أيست عن المعارضة. وكانوا يسرّون بذلك ، إذ مرّ عليهم الصادق صلوات الله عليه فالتفت [ إليهم ] وقرأ عليهم : ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾(٧) فبهتوا (٨) . وأمثال هذه الروايات كثيرة جدّا.
وممّا يشهد على أنّ القرآن العظيم فوق طوق البشر ، أنّ من قايس بين آياته وكلمات رسول الله صلىاللهعليهوآله وخطبه البليغة ، وجد التفاوت بينهما تفاوت الخالق والمخلوق ، والواجب والممكن ، مع أنّه صلوات الله عليه كان أفصح من نطق بالضّاد ، ولم يسمع بكلام أحسن أسلوبا ، وألطف لفظا ، وأعدل وزنا ، وأجمل مذهبا ، وأحسن موقعا ، وأسهل مخرجا ، وأفصح بيانا ، وأبين فحوى ، وأكرم مطلعا من كلامه صلىاللهعليهوآله.
والحاصل : أنّ الكتاب العزيز في لسان العربيّة بلغ مبلغا من الفصاحة والبلاغة وحسن النظم والاسلوب لا يمكن للبشر أن يدانيه بالفطرة والعقل والاكتساب. وقد صدق الصادق صلوات الله عليه حيث قال : « لقد تجلّى الله تعالى لخلقه في كلامه ، ولكنّهم لا يبصرون » (٩) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله في وصف القرآن قال : « ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه » (١٠) .
__________________
(١) الطور : ٥٢ / ١ و٢.
(٢) الطور : ٥٢ / ٧ و٨.
(٣) الكشاف ٤ : ٤٠٩.
(٤) رجل دهري : ملحد لا يؤمن بالآخرة ، يقول ببقاء الدهر. المعجم الوسيط ٢ : ٢٩٩.
(٥) هود : ١١ / ٤٤.
(٦) يوسف : ١٢ / ٨٠.
(٧) الإسراء : ١٧ / ٨٨.
(٨) الخرائج والجرائح ٢ : ٧١٠ / ٥.
(٩) أسرار الصلاه / للشهيد الثاني : ١٤٠.
(١٠) تفسير العياشي ١ : ٧٤ / ١ ، الكافي ٢ : ٤٣٨ / ٢.