أنقض لقوله ، وأفسد لأمره ، وأضرّ عليه وعلى أصحابه ، مع أنّ الكلام سيّد عملهم وقد احتاجوا إليه ، والحاجة تبعث على الفكر والجدّ في الأمر الغامض المشكل ، فكيف بالسّهل الجليل المنفعة والعظيم الفائدة !
روي عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقرأ عليه القرآن ، فكأنّه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه ، فقال : يا عمّ ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه لأن لا تأتي (١) محمّدا ، ولتعرض لما قاله (٢) . قال : قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالا. قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنّك كاره له. قال : وما ذا أقول ؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منّي ، ولا برجزه ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجنّ ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، وو الله إنّ لقوله الذي يقوله حلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة (٣) ، وإنّه لمثمر أعلاه ، معذق (٤) أسفله ، وإنّه ليعلو ولا يعلى عليه ، وإنّه ليحطم ما تحته.
قال : لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه. قال : فدعني حتّى أفكّر. فلمّا فكّر قال : هذا (٥) سحر يؤثر ، يأثره عن غيره (٦) .
روي أنّ قوله عزوجل فى أوّل حم السجدة إلى قوله : ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾(٧) نزل في شيبة وعتبة ابني ربيعة ، وأبي سفيان بن حرب ، وأبي جهل ، وذكر أنّهم بعثواهم وغيرهم من وجوه قريش بعتبة بن ربيعة إلى النبي صلىاللهعليهوآله ليكلّمه ، وكان حسن الحديث ، عجيب الشأن ، بليغ الكلام ، وأرادوا أن يأتيهم بما عنده. فقرأ النبيّ صلوات الله وسلامه عليه سورة حم السجدة من أوّلها حتّى انتهى إلى قوله : ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ﴾(٨) فوثب مخافة العذاب ، فاستحكوه ما سمع ، فذكر أنّه لم يسمع منه كلمة واحدة ، ولا اهتدى لجوابه (٩) . ولو كان ذلك من جنس كلامهم لم يخف عليه وجه الاحتجاج والرّدّ.
قال عثمان بن مظعون : والله ، لعلموا أنّه من عند الله إذ لم يهتدوا لجوابه (١٠) .
وروي أنّ جبير بن مطعم ورد على النبي صلىاللهعليهوآله في حليف له أراد أن يفاديه ، فدخل والنبيّ صلوات
__________________
(١) في الاتقان وحياة الصحابة : فانك أتيت.
(٢) في الاتقان وحياة الصحابة : لما قبله.
(٣) الطّلاوة : الحسن والرّونق.
(٤) في الاتقان وحياة الصحابة : مغدق.
(٥) في حياة الصحابة : إن هذا إلّا.
(٦) الاتقان في علوم القرآن ٤ : ٥ ، حياة الصحابة ١ : ٦٣.
(٧) فصلت : ٤١ / ٤.
(٨) فصلت : ٤١ / ١٣.
(٩) الدر المنثور ٧ : ٣٠٩.
(١٠) في النسخة : بجوابه ، وكذا في المورد المتقدّم.