يأتي - فطرحوه على باب المدينة ، أو حملوه إلى قرية اخرى وألقوه بفنائها ، ثمّ جاءوا يطالبون بديته ، كذا قالوا. وتأخير ذكر القتل والتّنازع فيه مع كونه مقدّما على الأمر بذبح البقرة ، لكونه المقصود المهمّ من الحكاية.
﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ وتنازعتم ﴿فِيها﴾ وأردتم أن تدفعوا القتل عن أنفسكم ﴿وَاللهُ مُخْرِجٌ﴾ ومظهر لكم ﴿ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ وتسترون من أمر قاتله لترتفع الفتنة والفساد.
قيل : إنّ الأمر بذبح البقرة مع قدرة الله على إحياء الموتى بغير الأسباب ، كان لمصالح ، منها : امتحان بني اسرائيل ببذل مال كثير. حيث روي أنّ البقرة لم توجد إلّا عند شابّ من بني إسرائيل ، فقالوا له : بكم تبيع بقرتك ؟ قال : بدينارين ، والخيار لأمّي. قالوا : رضينا بدينار. فسألها ، فقالت : بأربعة. فأخبرهم ، فقالوا : نعطيك دينارين. فأخبر امّه ، فقالت : ثمانية. فما زالوا يطلبون [ على النصف ] ممّا تقول امّه ، ويرجع إلى امّه فتضعف الثمن ، حتّى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكثر ما يكون ملؤه (١) دنانير ، فأوجبت لهم البيع ثمّ ذبحوها (٢) .
ومنها : وصول مال كثير إلى الشابّ المطيع لوالده أو والدته.
ومنها : أنّ الحجّة على بني إسرائيل بهذا النّحو من الإحياء تكون أوكد.
في إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة ، والاستدلال بتلك القضية على صحّة الحشر في الآخرة.
﴿فَقُلْنا اضْرِبُوهُ﴾ أي الميت ﴿بِبَعْضِها﴾ أي ببعض البقرة ، فضربوه بها ، فقام الميّت سويّا سالما ، وقال : يا نبيّ الله قتلني ابنا عمّي ، حسداني على بنت عمّي ، فقتلاني وألقياني في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي ، فأخذ موسى عليهالسلام الرجلين فقتلهما ، هكذا روي (٣) .
وقال بعض في قوله تعالى : ﴿فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها﴾ تنبيه على أنّ من أراد إحياء قلبه لم يتأتّ له إلّا بإماته نفسه ، فمن أماتها بأنواع الرياضات ، أحيا الله قلبه بأنوار المشاهدات (٤) .
عن ( العياشي ) : عن الرّضا عليهالسلام : « أنّ الله أمرهم بذبح بقرة ، وإنّما كانوا يحتاجون لذنبها [ فشدّدوا ] فشدّد الله عليهم » (٥) .
__________________
(١) في النسخة : ملاء ، وما أثبتناه من تفسير العسكري عليهالسلام.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٧٨.
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٧٨ ، تفسير الصافي ١ : ١٢٩.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٦٣.
(٥) تفسير العياشي ١ : ١٣٨ / ١٦٢.