بعد ما سئل ، وراجع ربّه وجاءه الوحي من الله : ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا﴾ هي ﴿فارِضٌ﴾ كبيرة قاطعة عمرها ﴿وَلا بِكْرٌ﴾ صغيرة ، بل ﴿عَوانٌ﴾ ووسط ﴿بَيْنَ ذلِكَ﴾ الكبيرة والصغيرة ، وهو أكمل أحوالها. وتذكير الإشارة وإفرادها مع تأنيث المرجع وتعدّده ، لكونه إشارة إلى المذكور.
ثمّ قال : إذا علمتم صفتها ﴿فَافْعَلُوا﴾ وامتثلوا ﴿ما تُؤْمَرُونَ﴾ به. فلمّا عرفوا السنّ سألوا عن اللّون ، و﴿قالُوا﴾ يا موسى ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها﴾ من الألوان ، وما كيفيّة لونها ؟ ﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام لهم : ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ﴾ هذا أصل اللّون ، وأمّا كيفيّته فإنّه ﴿فاقِعٌ لَوْنُها﴾ شديدة صفرتها ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ إليها لبهجتها وحسنها.
قيل في كيفية لونها : إنّها كانت إذا نظر أحد إليها خيّل إليه أنّ شعاع الشّمس يخرج من جلدها.
ثمّ سألوا موسى زيادة توصيف للبقرة حتّى يكونوا أهدى إليها ، و﴿قالُوا﴾ يا موسى ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ﴾ ويزيد لنا في صفتها ، حيث ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا﴾ ولم يتّضح عندنا كمال الوضوح ﴿وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ﴾ بعد التّبيين ﴿لَمُهْتَدُونَ﴾ إليه.
وفي [ الحديث ] النّبويّ : « لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد » (١) .
﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام بعد مراجعة ربّه : ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ للكراب كي ﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ وتقلّبها للزّراعة ﴿وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ والبستان بالدّوالي والنّواعير ، وصفتها الاخرى أنّها بقرة ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من جميع العيوب ، والاخرى أنّها ﴿لا شِيَةَ﴾ ولا لون غير الصّفرة ﴿فِيها﴾ روي أنّها كانت صفراء الأظلاف والقرون (٢) .
فاقتصروا بهذا التعريف ، و﴿قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ﴾ وحقيقته ، وتبيّنت البقرة.
عن ( العياشي ) عن الرّضا عليهالسلام : « لو عمدوا إلى أيّ بقرة أجزأهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم » (٣) .
﴿فَذَبَحُوها﴾ بعد اشترائها ﴿وَما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ لغلاء ثمنها ، ولخوف الفضيحة بالقتل ، ولكنّ اللّجاج وحرصهم على اتّهامهم موسى عليهالسلام حملهم على فعله.
﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ قيل : كان شيخا موسرا ، قتله بنو عمّه طمعا في ميراثه - وفي رواية : حسدا (٤) ، كما
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٦٨ ، تفسير الصافي ١ : ١٢٧.
(٢) تفسير الرازي ٣ : ١٢١ ، وفيه : صفراء القرون.
(٣) تفسير العياشي ١ : ١٣٧ / ١٦١ ، تفسير الصافي ١ : ١٢٧.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٧٤.