سيكون (١) ، وكلّ من سمعه في القرون المتطاولة ، وكان عارفا بكلام العرب واسلوب بيانهم ، تتمّ عليه الحجّة بسماعه ، كما قال الله عزوجل : ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ﴾(٢) وقال تعالى : ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ﴾(٣) فإنّ الآيتين دالّتان على أنّ الحجّة بتلاوة الكتاب العزيز وسماع كلام الله تتمّ على كلّ أحد من العارفين بكلام العرب ومحاوراتهم.
روي أنّ رجلا سأل أبا عبد الله عليهالسلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس (٤) إلّا غضاضة (٥) ؟ فقال عليهالسلام : « لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله (٦) لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو فى كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة » (٧) .
وفي خطبة طويلة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه : « ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه ، وسراجا لا يخبو توقّده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنهاجا لا يضلّ ناهجه (٨) ، وشعاعا لا يظلم ضوءه ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وبنيانا لا تهدم أركانه » (٩) .
وفي رواية عن الرضا عليهالسلام : « لا يخلق على الأزمنة ، ولا يغثّ (١٠) على الألسنة ، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، وحجّة على كلّ إنسان ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(١١) .
وفي خطبة فاطمة عليهاالسلام في أمر فدك : « لله فيكم عهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم : كتاب الله ، بيّنة بصائره ، وآي منكشفة سرائره (١٢) ، وبرهان متجلّية ظواهره ، مديم للبريّة استماعه ، وقائد إلى الرضوان أتباعه ، ومؤدّ إلى النّجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنيرة ، ومحارمه المحرّمة ، وفضائلة المدوّنة ، وجمله الكافية ، ورخصته الموهوبة ، وشرائطه المكتوبة ، وبيّناته الجاليه » (١٣) . إلى غير ذلك من الروايات.
__________________
(١) فتح الباري ٩ : ٥.
(٢) العنكبوت : ٢٩ / ٥١.
(٣) التوبة : ٩ / ٦.
(٤) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : عند النشر والدراسة.
(٥) الغضّ : الطريّ ، والغضاضة : الطّراوة والنّضارة.
(٦) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : لم ينزله.
(٧) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٨٧ / ٣٢ ، أمالي الطوسي : ٥٨٠ / ١٢٠٣.
(٨) في النهج : نهجه.
(٩) نهج البلاغة : ٣١٤ الخطبة ١٩٨.
(١٠) خلق الثوب : بلي ، وغثّ حديث القوم : ردؤ وفسد.
(١١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٣٠ / ٩ ، والآية من سورة فصلت : ٤١ / ٤٢.
(١٢) في النسخة : سرائرها.
(١٣) بلاغات النساء : ٢٥ ، دلائل الإمامة : ١١٣ ، الاحتجاج : ٩٩.