بثدي امّه » (١) .
وقال عمّار يوم صفّين :
اليوم ألقي الأحبّة |
|
محمّدا وحزبه (٢) |
عن الصادق عليهالسلام : « سئل أمير المؤمنين عليهالسلام : بماذا أحببت لقاء ربّك ؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت بأنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه » (٣) .
فمن كان صادقا في الحبّ لا محالة يتمنّى لقاء الحبيب ، ولذا قال تعالى : ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى حبّكم لله وتولّيكم إيّاه واختصاصكم بالجنّة ونعيمها. ثمّ الظاهر أنّ المراد بالتمنّي ، التمنّي القوليّ ، كقول : ربّنا أمتنا أو عجّل في وفاتنا وأمثال ذلك ، دون التمنّي القلبيّ الذي لا يطّلع عليه أحد.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله [ أنه ] قال لهم بعد ما عرض هذا عليهم : « لا يقوله أحد منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه » وكانت اليهود علماء بأنّهم كاذبون ، وأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله وأصحابه هم الصادقون ، فلم يجترئوا أن يدعوا به (٤) .
شبهة ورفعها
إن قلت : ما الدّليل على أنّه ما وجد منهم هذا القول ؟
قلت : لو قالوا ذلك لنقل إلينا نقلا متواترا ، لأنّه أمر عظيم ، لأنّه بقولهم ما يشعر بالتمنّي ، كان النبيّ محجوجا ، وكان يبطل دعواه ونبوّته ، وبعدمه يثبت صحّة نبوّته ، وما كان كذلك كان من الوقائع العظيمة ، فوجب أن ينقل نقلا متواترا.
وأيضا لا يمكن أن يتحدّى النبيّ صلىاللهعليهوآله الذي كان أعقل من جميع أهل العالم بالإخبار بعدم وقوع أمر جزما إلّا بإخبار الله بعدم وقوعه ، ولا يجوز أن يخبر بأمر لا يأمن ولا يثق بتحقّق ما أخبر به ، مع أنّه وردت روايات كثيرة متظافرة بأنّهم ما قالوا ، ولو قالوه لماتوا مقاعدهم ورأوا مقاعدهم من النّار ، بل قيل إنّ هذا الإخبار بلغ مبلغ التواتر.
وهذا من الأدلّة الواضحة على النبوّة ، حيث أخبر عن جزم بأنّهم لا يقولون كلمة دالّة على تمنّي الموت مع سهولتها عليهم ، بل أخبر بأنّهم لا يقولونها أبد الدهر ، بقوله : ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي.
__________________
(١) نهج البلاغة : ٥٢ / ٥.
(٢) وقعة صفين : ٣٤١ ، تفسير أبي السعود ١ : ١٣٢.
(٣) الخصال : ٣٣ / ١.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٤٣ / ٢٩٤.