ثمّ ذكر الله تعالى في عداد قبائح أعمال اليهود إساءتهم الأدب بساحة النبيّ صلىاللهعليهوآله حيث كانوا يخاطبونه بقولهم : راعنا.
قيل : كانت هذه اللفظة في اصطلاحهم بمعنى اسمع غير مسمع (١) .
وقيل : كانت مستعملة عندهم في الهزء والسّخرية (٢) .
روي أنّ سعد بن عبادة سمعها منهم ، فقال : يا أعداء الله عليكم لعنة الله ، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلىاللهعليهوآله لأضربنّ عنقه. قالوا : أو لستم تقولونها ؟ فنزلت : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا﴾ - للنبي صلىاللهعليهوآله - ﴿راعِنا﴾(٣) .
قيل : إنّ المؤمنين كانوا إذا سمعوا من النبيّ صلىاللهعليهوآله شيئا من العلم ، قالوا : راعنا يا رسول الله ، أي أنظرنا وتأنّ بنا حتّى نفهم ، فلّما سمع اليهود ذلك من المؤمنين اتّخذوه ذريعة لسبّ النبي صلىاللهعليهوآله فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة تعريضا على اليهود (٤) ، بقوله : ﴿وَقُولُوا انْظُرْنا﴾ أي انظر إلينا.
ثمّ وعظهم بقوله : ﴿وَاسْمَعُوا﴾ لما يحكم به الله ويأمركم به الرّسول صلىاللهعليهوآله سماع طاعة وقبول ، ولا تكونوا كاليهود حيث قالوا : ﴿سَمِعْنا وَعَصَيْنا﴾(٥) .
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿وَلِلْكافِرِينَ﴾ الذين لا يسلكون معه مسلك الإعظام والتجليل ، بل أهانوه بتعريضه للسّبّ والاستهزاء كاليهود ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.
روي عن ابن عبّاس : أنّ الله كان يخاطب في التّوراة بقوله : يا أيّها المساكين (٦) .
قيل : كرامة هذه الأمّة اقتضت مخاطبتهم بأشرف الأوصاف وهو الإيمان ، ولمّا خاطب بني إسرائيل أوّلا بقوله : يا أيّها المساكين ؛ أثبت عليهم آخرا المسكنة بقوله : ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾(٧) ولمّا خاطب امّة محمّد صلىاللهعليهوآله أوّلا بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يرجى أن يختم لهم بالإيمان والأمان من العذاب والهوان (٨) .
ثمّ نبّه الله الرّسول والمؤمنين بغاية حسد أهل الكتاب والمشركين عليهم ، وشدّة عداوتهم لهم بقوله : ﴿ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ من اليهود والنّصارى ﴿وَلَا الْمُشْرِكِينَ﴾ وما يحبّون،
__________________
(١) تفسير الطبري ١ : ٣٧٤.
(٢) تفسير الرازي ٣ : ٢٢٤.
(٣) تفسير أبي السعود ١ : ١٤١.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٩٧.
(٥) البقرة : ٢ / ٩٣.
(٦) تفسير الرازي ٣ : ٢٢٣.
(٧) البقرة : ٢ / ٦١.
(٨) تفسير الرازي ٣ : ٢٢٣ « نحوه » .