هو في الفروع والأحكام العمليّة لا في اصول الدّين ؛ لأنّه لا بدّ فيها من القطع واليقين ، ولا يفيد الظّنّ والتّخمين كما قال تعالى : ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾(١) .
في إبطال القول بامتناع النسخ في الأحكام
فإن قيل : هذا مبنيّ على إمكان النّسخ ، واليهود قائلون بامتناعه لأنّه يؤول إلى البداء ، وهو محال على الله.
قلنا : أوّلا : ليس في الحقيقة والواقع نسخ في الأحكام والشّرائع بل الشّرع السّابق مقيّد بقاؤه بعدم بعث النّبيّ الّلاحق المبشّر به ، فإذا بعث انقضت مدّته مع أنّه منقوض بنسخ شرع إبراهيم عليهالسلام بشرع موسى عليهالسلام ، مضافا إلى أنّ من البديهي اختلاف مصالح الأحكام باختلاف الأشخاص والقرون والأزمان ، فقد يكون لحكم مصلحة في زمان ، أو لطائفة دون زمان آخر وطائفة اخرى.
نعم ، إذا أخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله ببقاء أحكامه واستمرارها إلى يوم القيامة ، كما أخبر نبيّنا صلىاللهعليهوآله بذلك ، كشف عن جامعيّة أحكامه لمصالح عموم البشر إلى يوم القيامة بخلاف ما إذا لم يخبر بأبديّة دينه ، بل كان بيانه مطلقا ، فإنّه يحتمل وقوع التّغيير والنّسخ وإن ظنّ من جهة الإطلاق عموم حكمه للأزمنة المتأخّرة ، وحينئذ فإذا دلّ دليل معتبر على النّسخ كشف عن خطأ العرف في فهم الاستمرار ، ودلّ على كونه مغيّى.
وأمّا ما نقله اليهود من قول موسى عليهالسلام : تمسّكوا بالسّبت أبدا فغير ثابت ، مع أنّه يمكن أن يراد منه دوامه ما دام بقاء شريعته ، فيرجع إلى الإخبار بأنّ السّبت لا يتغيّر ولا ينسخ ما دام بقاء دينه ، مع أنّه معارض بإخباره في عدّة مواضع من التّوراة بمجيئ نبيّ آخر بعده.
فقول اليهود بأنّ الحقّ منحصر في اليهوديّة ، وقول النّصارى بمثل ذلك ، ودعوى كلّ طائفة منهم أنّه لا يدخل الجنّة غيرهم ، بقول بلا برهان ، بل البرهان على خلافه ، حيث قال الله تعالى : ﴿بَلى﴾ يدخل الجنّة غيرهم بل هم لا يفوزون بها.
ثمّ كأنّ قائلا يقول : فمن يدخل الجنّة ؟ فقال : ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾ وبذل نفسه ﴿لِلَّهِ﴾ بالانقياد والخضوع والتذلّل في طاعته ، والتجنّب عن اللّجاج والعناد والمعاصي خالصا لله بلا شوب شرك وهوى ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ لا يكون خضوعه بالأعمال القبيحة ، كما نقل عن بعض المرتاضين في الهند
__________________
(١) يونس : ١٠ / ٣٦.