ضلالهم وفسقهم.
في تحاكم اليهود والنصارى إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله
عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلام : « إنّما نزلت لأنّ قوما من اليهود وقوما من النّصارى جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا محمّد ، اقض بيننا. فقال صلىاللهعليهوآله : قصّوا عليّ قصّتكم. فقالت اليهود : نحن المؤمنون بالله الواحد الحكيم ، وأولياءه ، وليست النّصارى على شيء من الدّين والحقّ. وقالت النّصارى : بل نحن المؤمنون بالله الواحد الحكيم ، وأولياؤه ، وليست هؤلاء اليهود على شىء من الحقّ والدّين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كلكم مخطئون ، مبطلون ، فاسقون عن دين الله وأمره ، فقالت اليهود : وكيف نكون كافرين وفينا كتاب الله التّوراة نقرأه ؟ وقالت النّصارى : كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله الإنجيل نقرأه ؟ فقال رسول الله : إنّكم خالفتم أيّها اليهود والنّصارى كتاب الله فلم تعملوا به ، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفّر بعضكم بعضا بغير حجّة ؛ لأنّ كتب الله أنزلها شفاء من العمى ، وبيانا من الضّلالة ، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم ، وكتاب الله إذا لم تعملوا به كان وبالا عليكم ، وحجّة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ولسخطه متعرّضين.
ثمّ أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله على اليهود ، فقال : احذروا أن ينالكم لخلاف أمر الله وخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ﴾ الخبر (١) .
والظاهر أنّهم لمّا تنازعوا واكتفوا بالدّعوى بغير إقامة حجّة وبرهان ، أجابهم صلىاللهعليهوآله بأنّ كتاب الله انزل لرفع الاختلاف ، فلو تأمّلتم فيه حقّ التأمّل ، وتركتم العصبيّة والتّقليد ، وأعطيتم النّظر فيه حقّه ، لارتفع الخلاف من بينكم وهديتم جميعا إلى الحقّ.
ونقل أنّ وفد نجران لمّا قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآله أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتّى ارتفعت أصواتهم ، فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدّين ، وكفروا بعيسى عليهالسلام والإنجيل. وقالت النّصارى لهم نحوه ، وكفروا بموسى عليهالسلام والتّوراة (٢) .
ثمّ أنّه تعالى لمّا حكى عن اليهود والنّصارى والمشركين دعوى كلّ واحد أنّه على الحقّ وأنّهم
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٥٤٤ / ٣٢٥ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ٥٩.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ٧.