من دخول الحرم أو المسجد الحرام صارفا للمؤمن عن الصّلاة والاشتغال بذكر الله بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ بالملكيّة الإيحاديّة ﴿الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ وجميع الجهات ، لا تختصّ به جهة ومكان ﴿فَأَيْنَما تُوَلُّوا﴾ في أيّ مكان ، وتتوجّهوا بقلوبكم ، وتستقبلوا بوجوهكم إلى الله بالدّعاء والصّلاة النّوافل ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ وذاته المقدّسة ، إذ لا يخلو منه مكان. أو المراد : فثمّ مرضاته ، حيث ﴿إِنَّ اللهَ واسِعٌ﴾ ذاتا وقدرة وفضلا ورحمة على عباده ، يبيّن لهم ما فيه صلاحهم كي يصلوا إلى رضوانه ﴿عَلِيمٌ﴾ بحقائق الامور وما يصدر عن العباد من القيام بوظائف العبوديّة والتّفريط فيها.
في بيان معنى وجه الله
عن ( التّوحيد ) عن سلمان الفارسيّ ، في حديث الجاثليق الذي سأل أمير المؤمنين عليهالسلام عن مسائل فأجابه عنها ، أنّ فيما سأله أن قال : أخبرني عن وجه الرّبّ تبارك وتعالى ؟ فدعا عليّ عليهالسلام بنار وحطب فأضرمه ، فلمّا اشتعلت ، قال [ علي عليهالسلام ] : « أين وجه هذه النّار » ؟ قال النّصرانيّ : هي وجه من جميع حدودها.
قال عليّ عليهالسلام : « هذه النّار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها ، وخالقها لا يشبهها ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ لا يخفى على ربّنا خافية » (١) .
عن القمي رحمهالله : أنّها نزلت في صلاة النّافلة ، تصلّيها حيث توجّهت إذا كنت في السّفر ، وأمّا الفرائض فقوله تعالى : ﴿وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾(٢) يعني الفرائض لا تصلّيها إلّا الى القبلة (٣) .
عن ( الفقيه ) عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الرجل يقوم في الصّلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا ؟
فقال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ الخبر (٤) .
في وجه رفع اليد والنظر إلى السماء عند الدعاء
قيل : لمّا نزل ﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(٥) قالوا : أين ندعوه ؟ فأنزل الله : ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ الآية (٦) .
إن قيل : فما معنى رفع اليد والنظر إلى السّماء عند الدّعاء مع أنّ الله منزّه عن الجهة ؟
__________________
(١) التوحيد : ١٨٢ / ١٦.
(٢) البقرة : ٢ / ١٤٤.
(٣) تفسير القمي ١ : ٥٩.
(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧٩ / ٨٤٦.
(٥) غافر : ٤٠ / ٦٠.
(٦) تفسير روح البيان ١ : ٢١١.