قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾(١) ، وقوله : ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾(٢) إلى غير ذلك.
[٣] - ومنها : أنّ العاقل المنصف ، البصير ببيانات الأنبياء والمرسلين ، وكلمات الأولياء المقرّبين ، والحجج المعصومين ، إذا تأمّل في الكتاب العزيز ومطالبه ، وتدبّر في مضامينه وجوانبه ، علم أنّ هذه المطالب المهمّة الشافية ، بهذه البيانات اللطيفة العالية الوافية ، لا يمكن أن تصدر إلّا من لسان النبوّة ، وأنّ هذه الدرر الثمينة لا تخرج إلّا من معدن الرسالة ، وهذه الأنوار الباهرة لا تشرق إلّا من عالم الربوبيّة ، حيث إنّه ليس فيه إلّا بيان التوحيد بأنواعه ، من الذاتيّ والصفاتيّ والأفعاليّ ، وبيان الصفات الجلاليّة السلبيّة ، والجمالية الثبوتيّة ، والحثّ على القيام بالعبودية ، والدعوة إلى المحسّنات العقليّة كالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى وابن السبيل ، وصلة الرّحم ، والوفاء بالعقود والعهود وغير ذلك ، والزجر من المنكر والفحشاء والبغي ، وبيان أحكام العبادات والمعاملات ، وقوانين السياسات ، والترغيب إلى تهذيب الأخلاق ، والزهد في الدنيا ، والتوجّه إلى الآخرة ، وبيان العبر والمواعظ ، وذكر حكم بعض الأحكام ، وقصص الأنبياء السالفة ، وعظمة شأنهم وتفصيل معاجزهم وكيفية دعوتهم وشرح معاملة أممهم معهم ، واستئصال من خالفهم بالعذاب ، وبيان المعاد ، وإقامة الأدلّة عليه وكيفيّة الحشر والصراط والميزان والحساب ، والتّلطّف والعتاب ، وبيان الجنّة وكيفية نعمها ، وبيان النّار وتفصيل شدائدها.
وقال بعض : إنّ القرآن العظيم قد اشتمل على كلّ شيء ، أمّا أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلّا وفي القرآن ما يدلّ عليها ، ولا يعلمها إلّا الراسخون ، وفيه الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، ووصف الجنّة والنّار ، وتعليم الإقرار بالله وبصفاته وأفعاله ، وتعليم الاعتراف بإنعامه ، والشكر عليها ، والاحتجاج على المخالفين ، والرّدّ على الملحدين ، وبيان الرّغبة والرّهبة ، والخير والشّر ، والحسن والقبيح ، ونعت الحكمة ، وفضل المعرفة ، ومدح الأبرار وذمّ الفجّار ، والتسليم والتحسين ، والتوكيد والتقريع ، وبيان الأخلاق الذميمة ، وشرف الآداب.
وفيه عجائب المخلوقات ، وملكوت السماوات والأرض ، وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى ، وبدء الخلق ، وأسماء مشاهير الأنبياء والرسل والملائكة ، وعيون أخبار الأمم السالفة ، وقصّة آدم مع
__________________
(١) الأنعام : ٦ / ٣٧.
(٢) العنكبوت : ٢٩ / ٥٠.