بني إسرائيل نوع خاصّ من الإعجاز ، أو أنواع مخصوصة ، ولم يكونوا متوافقين على نوع واحد أو أنواع خاصّة ، فإنّ موسى عليهالسلام كان له معجزة العصا ، واليد البيضاء ، وفلق البحر ، وسائر الآيات التسع ، لاقتضاء زمانه لها وعدم اقتضائه لغيرها ، ولم يظهر من عيسى عليهالسلام هذه الأنواع من المعجزات ، بل ظهر منه ما ناسب زمانه من إحياء الأموات وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك.
فلازم النبوّة إتيان جنس المعجزة كي يكون دليلا على صدق الدعوى ، فإذا أتى مدّعي النبوّة بمعجزة دالّة على صدق دعواه ، وجب الإيمان به ، والتصديق بنبوّته ، واتّباع أحكامه ، ولو لم يكن من الأنواع التي كانت لغيره.
نعم إذا توقّف هداية شخص على الإتيان بمسؤوله ، وكان سؤاله عن إرادة الاهتداء لا عن التعنّت واللّجاج ، كان على النبيّ إجابة مسؤوله وإزالة شبهته ، وأمّا إذا كان السؤال عن تعنّت ولجاج بعد وضوح الحقّ ، فلم يحسن إجابة السائل المتعنّت ، بل يجب جوابه بما يدلّ على تعنّته ، كما أجابهم الله بقوله : ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾(١) .
والغرض من التقرير السابق ، هو علمنا من الأمارة القاطعة بأنّه كان له عليهالسلام معجزة ظاهرة دالّة على صدقه إجمالا ، ولو لم يكن من أنواع معجزات سائر الأنبياء عليهمالسلام بل كان أقلّ ، كتحرّك الشجر من مكانه بأمره ، أو تسبيح الحصاة في يده ، أو أعظم كانشقاق القمر ، وإحياء الرّمم ، فبعد ثبوت إتيانه بما كان مشتركا مع معجزات سائر الأنبياء في جنس الإعجاز ، وإن كان مغايرا لها بالنوع ، يظهر صدقه ويجب اتّباعه.
ولا ينافي هذه الآيات ما ادّعيناه حيث إنّ الظاهر أنّ الكفّار سألوا إتيان الأنواع المعهودة من سائر الأنبياء كموسى وعيسى ، لا أنّهم سألوا صدور جنس المعجزة منه صلىاللهعليهوآله بل الكتاب العزيز دالّ بالصراحة على أنّه كان له معجزة وآية حيث قال : ﴿وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ﴾(٢) وقال في تقريع معارضته : ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾(٣) وأمثال ذلك.
ولمّا كان سؤالهم تعنّتا لم يحسن إجابة مسؤولهم ، ولذا لم يجبهم إلّا بالتقريع والتبكيت كقوله : ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾(٤) ، وقوله : ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾(٥) ، وقوله : ﴿إِنَّ اللهَ
__________________
(١) القصص : ٢٨ / ٤٨.
(٢) الأنعام : ٦ / ١٢٤.
(٣) القمر : ٥٤ / ٢.
(٤) القصص : ٢٨ / ٤٨.
(٥) الأنعام : ٦ / ١٢٤.