قال لقمان لابنه : يا بنيّ ، إذا رأيت قوما يذكرون الله تعالى فاجلس معهم ، فإنّك إن تك عالما ينفعك علمك. وإن تك جاهلا علّموك. ولعلّ الله يطّلع عليهم برحمته فيصيبك معهم (١) .
في أقسام ذكر الله وأنواعه
قيل : الذكر قد يكون باللّسان ، وقد يكون بالقلب ، وقد يكون بالجوارح. فالذكر باللّسان :
أن يحمدوه ويسبّحوه ويمجّدوه ويقرأوا كتابه. والذكر بالقلب على ثلاثة أنواع :
أحدها : أن يتفكّروا في الدلائل الدالّة على ذاته وصفاته ، ويتفكّروا في الجواب عن الشبه العارضة في ملك الله (٢) .
وثانيها : أن يتفكّروا في الدلائل الدالّة على كيفيّة تكاليفه وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ، فإذا عرفوا كيفيّة التّكليف وعرفوا ما في الطاعة من الوعد وفي تركها من الوعيد سهلت عليهم.
وثالثها : أن يتفكّروا في أسرار مخلوقات الله تعالى حتّى تصير كلّ ذرّة من ذرّات المخلوقات كالمرآة المجلوّة المحاذية لعالم القدس ، فإذا نظر [ العبد ] إليها انعكس شعاع بصره منها إلى عالم الجلال ، وهذا المقام مقام لا نهاية له.
وأمّا الذكر بالجوارح فهو أن تكون جوارحهم مستغرقة في الأعمال التي امروا بها ، وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها. وعلى هذا الوجه سمّى الله تعالى الصّلاة ذكرا ، بقوله : ﴿فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ﴾(٣) فالأمر في قوله : اذكرونى متضمّن لجميع الطّاعات.
كما نقل عن سعيد بن جبير ، أنّه قال في تفسيره : اذكروني بطاعتي (٤) .
ثمّ أنّه تعالى بعد الأمر بالذكر الذي هو بأحد الوجوه أهمّ العبادات وروحها ، أمر بالشّكر بقوله : ﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ على جميع نعمي ، ظاهريّة كالصّحّة والأمنيّة وغيرها. وباطنيّة : كإرسال الرّسول والهداية إلى الدّين القويم والطريق المستقيم الذي منها تحويل القبلة.
وهذا أمر بجميع الطاعات ، فإنّ من الشكر القيام بالواجبات ، والاهتمام بترك المحرّمات ، كما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « شكر كلّ نعمة الورع عن محارم (٥) الله (٦) » . وأقلّ مراتب الشّكر ثناؤه تعالى
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٥٧.
(٢) في تفسير الرازي : الشبهة القادحة في تلك الدلائل.
(٣) الجمعة : ٦٢ / ٩.
(٤) تفسير الرازي ٤ : ١٤٣ ، تفسير روح البيان ١ : ٢٥٦.
(٥) في الخصال وتفسير الصافي : عمّا حرّم.
(٦) الخصال : ١٤ / ٥٠ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٥.