﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ بتربيته ويطهّر نفوسكم من رذائل الأخلاق بتقوية عقولكم وتضعيف شهواتكم الحيوانيّة ، وتزهيدكم عن الدنيا وزينتها ، وقطع علائقكم عنها ، حتّى تكونوا باتّباعه مهذّبين من النواقص الأخلاقيّة ، مبرّئين عن الأهواء النّفسانيّة ؟ ؟ ؟
﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ﴾ المجيد والقرآن الحميد. وفيه إشارة إلى أنّ تعليم حقائقه ودقائقه بعد تلاوته نعمة فوق نعمة ، وفي تقديم التّزكية هنا على التّعليم إشعار بتقديم التّخلية على التّجلية ، وبأنّها العلّة الغائيّة ، وهي مقدّم في القصد واللّحاظ ومؤخّر في الوجود والفعل ، ولذا اخرّت في دعوة إبراهيم عليهالسلام.
﴿وَ﴾ يعلّمكم ﴿الْحِكْمَةَ﴾ قيل : هو العلم بأحكام الشريعة (١)﴿وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ بطريق الوحي ﴿ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ من العلوم بغيره ، ولا سبيل لكم إلى إدراكه واستكشافه.
وقيل : إنّ التّشبيه راجع إلى قوله تعالى : ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ فعلى هذا يكون المعنى على ما قيل : كما ذكرتكم بإرسال الرّسول فاذكروني بالطّاعة والانقياد ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ بالثّواب. أو فاذكروني بقلوبكم اذكركم برحمتي. أو اذكروني بالدعاء أذكركم بالاجابة. أو أذكروني في الخلوات أذكركم في الفلوات. أو اذكروني بمجاهدتي أذكركم بهدايتي. أو اذكروني بالصّدق والإخلاص أذكركم بالخلاص ومزيد الاختصاص. أو اذكروني بالرّبوبيّة أذكركم بالرّحمة والعبوديّة.
عن الصادق عليهالسلام في حديث : « يا عيسى ، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملئك اذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميّين » (٢) .
وعن ( العياشي ) عن الباقر عليهالسلام قال : « قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ الملك ينزل الصحيفة من أوّل النّهار وأوّل اللّيل يكتب فيها عملكم ، فاملوا في أوّلها خيرا وفي آخرها خيرا ، فإنّ الله يغفر [ لكم ] ما بين ذلك إن شاء الله ، فإنّه يقول : اذكرونى ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾(٣) .
وعنه عليهالسلام : « ذكر الله لأهل الطاعة أكثر (٤) من ذكرهم إيّاه ، ألا ترى إنّه يقول : اذكرونى ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾(٥) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « اذكروا الله في كلّ مكان فإنّه معكم » (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ١٤٣.
(٢) الكافي ٢ : ٣٦٤ / ٣ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٣) تفسير العياشي ١ : ١٦٧ / ٢٢٥ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٤) في تفسير القمي : لأهل الصلاة أكبر ، وفي تفسير الصافي : لأهل الطاعة أكبر.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٥٠ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.
(٦) الخصال : ٦١٣ / ١٠ ، تفسير الصافي ١ : ١٨٤.