كلّما أتاه جبرئيل بالوحي وقرأه عليه بألفاظه.
إلى أن قال رحمهالله : وبهذا التحقيق حصل التوفيق بين نزوله تدريجا ودفعة ، واسترحنا من تكلّفات المفسّرين (١) ، انتهى.
مع أنّه ليس فيما ذكرناه حمل الروايات على خلاف ظاهرها ، إذ من الواضح أنّه ليس المراد من القرآن الذي نزل في البيت المعمور الأصوات المعتمدة على المخارج ، المعبّر عنها بالحروف والكلمات ، ولا النقوش المنطبعة في الأوراق والصّفحات ، بل وجوده الجوهريّ ، فإنّ له صورة في عالم الملكوت مغايرة لصورته في هذا العالم ، واستعمال لفظ الإنزال في معنى الإيجاد غير عزيز كما قال تعالى : ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾(٢) أي أوجد لكم.
نعم في خبر المفضّل إشعار بتوجيهه رحمهالله حيث قال : قال الصادق عليهالسلام : « يا مفضّل ، إنّ القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة ، والله تعالى يقول : ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾(٣) ، وقال : ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾(٤) ، وقال : ﴿لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾(٥) .
قال المفضّل : يا مولاي ، فهذا تنزيله الذي ذكره الله في كتابه ، فكيف ظهر الوحي في ثلاث وعشرين سنة ؟
قال : « نعم يا مفّضل ، أعطاه الله القرآن في شهر رمضان ، وكان لا يبلّغه إلّا في وقت استحقاق الخطاب ، ولا يؤدّيه إلّا في وقت أمر ونهي ، فهبط جبرئيل عليهالسلام بالوحي فبلّغ ما يؤمر به [ وهو قوله : ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾(٦)
فقال المفضّل : أشهد أنّكم من علم الله علمتم ، وبقدرته قدرتم ، وبحكمه نطقتم ، وبأمره تعملون (٧) .
ويمكن حمله على ما ذكرنا من الوجه ، أو إبقاؤه على ظاهره إن كان له ظهور فيما ذكره رحمهالله من التوجيه والقول بنزوله في البيت المعمور وفي قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا منافاة بينهما.
في بيان أسرار نزول القرآن العظيم نجوما على النبيّ صلىاللهعليهوآله
وأمّا سرّ نزوله نجوما ، فكثير منه :
[١] - أنّه صلىاللهعليهوآله بنزوله نجوما كان يتحدّى بكلّ نجم من آية أو سورة تنزل عليه ، ومن
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٥٧.
(٢) الزمر : ٣٩ / ٦.
(٣) البقرة : ٢ / ١٨٥.
(٤) الدخان : ٤٤ / ٣ - ٥.
(٥) الفرقان : ٢٥ / ٣٢.
(٦) القيامة : ٧٥ / ١٦.
(٧) بحار الأنوار ٩٢ : ٣٨.