الواضح أنّ عجز الفصحاء عن الاتيان بمثل كلّ واحد من النجوم أظهر في الإعجاز من عجزهم عن إتيان مثل المجموع إذا كان نزوله جملة واحدة إذا كان تحدّى به.
[٢] - ومنه : أنّ في إنزاله نجوما كان لطفا على المؤمنين ، حيث إنّه كان بنزول نجم يزداد فرحهم ويقينهم ، كما قال الله تعالى : ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾(١) .
[٣] - وأيضا : كان بنزول الآيات في مواقع الجهاد يزداد نشاطهم ورغبتهم وجدّهم فيه ، وإذا نزلت بهم بليّة ثم نزلت في شأنهم آية ، كان يهون عليهم تلك البليّة ، وإذا وقعوا في تعب وعناء ، كان نزول الآيات يزيل تعبهم وعناءهم بتكميل بصيرتهم ويقينهم.
[٤] - ومنه : أنّ مناسبة الوقائع ، وخصوصيّات المقامات ، وانضمام القرائن الحاليّة ، كانت موجبة لزيادة البلاغة.
[٥] - ومنه : أنّ نزول بعض الآيات ردّا على الكفّار في مواقع معارضتهم ، أو إلقاء شبهاتهم ، أو تهديدا لهم عند صدور استهزءاتهم والطعون منهم على الاسلام والمسلمين ، أو زجرا لهم عند إرادتهم الفساد في الدّين ، كان أشدّ تأثيرا في تبكيتهم وتقريعهم وردعهم وزجرهم وهدايتهم وتبعهم إلى الايمان والانقياد للحقّ.
[٦] - ومنه : أنّ نزوله مفرّقا أدعى لقبوله وتحمّل إطاعة أحكامه ، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة ، فإنّه كان يثقل قبوله على كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي.
روي عن عائشة أنّها قالت : إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل (٢) فيها ذكر الجنّة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أوّل شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزّنا أبدا (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « ليس أحد أرفق من الله تعالى ، فمن رفقه تبارك وتعالى أنّه نقلهم من خصلة إلى خصلة ، ولو حمل عليهم جملة واحدة لهلكوا » (٤) .
وفي رواية عنهم عليهمالسلام : « أنّ الله تعالى إذا أراد أن يفرض فريضة أنزلها شيئا بعد شيء ، حتّى يوطّن
__________________
(١) التوبة : ٩ / ١٢٤.
(٢) قيل : المفصل : مجموعة سور تبدأ من سورة محمد صلىاللهعليهوآله إلى آخر القرآن ، سميت بذلك لكثرة الفواصل بينها.
تفسير الصافي ١ : ١٨ ، وراجع : الطرفة (١٣) .
(٣) صحيح البخاري ٦ : ٣١٨ / ١٤.
(٤) الكافي ٦ : ٣٩٥ / ٣ ، التهذيب ٩ : ١٠٢ / ٤٤٣.