والأيّام المعدودات هي ﴿شَهْرُ رَمَضانَ﴾ قيل : سمّي هذا الشهر برمضان لارتماض الأكباد واحتراقها من الجوع والعطش ، وأمّا لارتماض الذنوب بالصّيام فيه (١) وما لغير ذلك من الوجوه الّتي ذكرت في محلّها.
وروي أنّ رمضان اسم من اسماء الله تعالى ، والشّهر مضاف إليه. وروي : لا تقولوا : جاء رمضان ، وذهب رمضان ، ولكن قولوا : جاء شهر رمضان ، فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى (٢) .
ثمّ أشار سبحانه إلى حكمة تخصيص هذه العبادة العظيمة بهذا الشّهر العظيم ، بقوله : ﴿الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ ابتداؤه أو بيانه أو تأويله أو جميعه دفعة إلى البيت المعمور في ليلة القدر منه.
روي عن ( الكافي ) : عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن قول الله تعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وإنّما انزل القرآن في عشرين سنة بين أوّله وآخره ؟
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « نزل [ القرآن ] جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ نزل في طول عشرين سنة »
ثمّ قال : « قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وانزلت التّوراة لست مضين من شهر رمضان ، وانزل الإنجيل لثلاث عشرة [ ليلة ] خلت من شهر رمضان ، وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان ، وانزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان » (٣) .
وقد تضافرت الرّوايات بأنّها ليلة القدر ، فتوصيف هذا الشّهر بذلك الوصف لبيان أنّ هذا الشّهر لفضيلته وشرافته الذاتيّة خصّ بنزول الرّحمة ووفور البركات التي أتمّها نزول القرآن الذي وصفه بكونه ﴿هُدىً﴾ ودليلا ﴿لِلنَّاسِ﴾ إلى الحقّ القويم والصّراط المستقيم بما فيه من الإعجاز.
﴿وَبَيِّناتٍ﴾ قيل : يعني آياته موضحات (٤)﴿مِنَ الْهُدى﴾ الذي يكون في سائر الكتب السّماويّة ، وكاشفات عن مبهمات سائر الصّحف التي نزلت لهداية النّاس ﴿وَالْفُرْقانِ﴾ الذي يكون فيها.
والحاصل : أنّ جميع الكتب السّماويّة ، وإن كان هاديا إلى الخير ومفرّقا بين الحقّ والباطل ، إلّا أنّه لا تتمّ هدايتها وتفريقها إلّا بتوضيحات من القرآن ، فالقرآن بيّن بنفسه ومبيّن لغيره من الكتب. فلذا كان أهدى وأفضل وأشرف من سائر الكتب. وهذا الشّهر أفضل وأشرف بسبب نزول القرآن فيه. فحقّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.
(٣) الكافي ٢ : ٤٦٠ / ٦.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٢.