﴿ما كَتَبَ اللهُ﴾ في اللّوح المحفوظ ، وما قدّره ﴿لَكُمْ﴾ من الولد ، ولا يكن غرضكم منها صرف قضاء الشّهوة.
في نقل بعض العامة اعتذار عمر عن عصيانه
ولعلّ فيه التّعريض على عمر ، حيث نقل صاحب ( روح البيان ) أنّ عمر اعتذر عند النبيّ صلىاللهعليهوآله وقال : إنّي رجعت إلى أهلي بعد العشاء ، فشممت رائحة طيّبة ، فسوّلت لي نفسي. ثمّ قال بعد نقله : وصارت زلّته سببا للرّحمة على جميع الامّة (١) . وذلك من عجائب الكلام ، وليت شعري كيف يكون لمن لم يقدر على كفّ نفسه بسبب استشمام رائحة من زوجته عن المعصية الكبيرة ، كرامة عند الله ! ولعلّ هذه الرّحمة كانت بسبب رجال شبّان اعترفوا بالخطيئة وكانوا معذورين فيها.
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ من أوّل ليالي الصّيام ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ ويتّضح ﴿لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ﴾ وهو كناية عن البياض المعترض في الافق ﴿مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ وهو كناية عن ظلمة غسق اللّيل الممتدّة فوق البياض ، حال كون ذلك البياض ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وانشقاق الصّبح الصّادق.
روي عن سهل السّاعدي : أنّها نزلت ولم يكن قوله : ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ وكان رجال [ إذا صاموا ] يشدّون في أرجلهم خيوطا بيضاء وسوداء ، فلم يزالوا يأكلون ويشربون حتّى يتبيّنا لهم ، ثمّ نزل البيان في قوله : ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾(٢) .
وعن عديّ بن حاتم أنّه قال : أخذت عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي ، وكنت أقوم من اللّيل فأنظر إليهما فلم يتبيّن لي الأبيض من الأسود ، فلمّا أصبحت غدوت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبرته ، فضحك وقال : إنّك لعريض القفا (٣) ، إنّما ذلك بياض النّهار وسواد اللّيل (٤) .
في ردّ قول بعض العامة بحصر مفطرات الصوم في ثلاثة
ثمّ اعلم أنّ وجه الاقتصار في الآية على حرمة الجماع والأكل والشّرب ، هو كثرة الابتلاء بها ، وكونها مرغوبا إليها لنوع المكلّفين دون سائر المفطّرات كالحقنة والقيء والارتماس في الماء - على القول بمفطّريته - وأنكر بعض العامّة مفطرّية غير الثلاثة المذكورة في الآية ، وهو في غاية الفساد لثبوت مفطرّية غيرها بالرّوايات المعتبرة.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٢٩٩.
(٢) كنز العرفان ١ : ٢١٥ / ٧.
(٣) قيل : هو كناية عن طول النوم وكثرته ، وقيل : كناية عن السّمن. راجع : النهاية ٣ : ٢١٠.
(٤) تفسير الرازي ٥ : ١٠٩.