والتّقوى ، المبطنين للكفر والعناد بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ﴾ ويروقك ويعظم في قلبك ﴿قَوْلُهُ﴾ بسبب تزيين البيان بالورع والتّقوى ليطلب حظا ، إلّا أنّه يكون إعجابه وحسنه ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ من غير أن يكون لكلامه المعجب أثر في الآخرة ، فإنّ الظواهر تفيد في هذا العالم ، وأمّا الآخرة فهي عالم كشف الحقائق والواقعيّات ، ليس فيها ستر واشتباه.
﴿وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ﴾ من اليقين والإخلاص ، ويحلف بالله أنّ باطنه مطابق لظاهره ، ومصدّق لكلامه ﴿وَهُوَ﴾ في هذه الحالة ﴿أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ وشديد المعارضة والعداوة لله ولرسوله وللمؤمنين.
في نفاق الأخنس بن شريق الثقفي
نقل أنّها نزلت في الأخنس بن شريق الثّقفي ، وهو حليف لبني زهرة ، أقبل إلى النّبيّ صلىاللهعليهوآله وأظهر الإسلام والمحبّة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ويحلف بالله على ذلك ، وهذا هو المراد بقوله : ﴿يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ إلى آخره (١) .
وروي عن ابن عبّاس أنّ كفّار قريش بعثوا إلى النّبيّ صلىاللهعليهوآله : أنّا قد أسلمنا ، فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك ، فبعث إليهم جماعة فنزلوا ببطن الرّجيع ، ووصل الخبر إلى الكفّار ، فركب منهم سبعون راكبا وأحاطوا بهم وقتلوهم وسلبوهم ، ففيهم نزلت (٢) . ويرجّح الأوّل.
قوله : ﴿وَإِذا تَوَلَّى﴾ وانصرف من عندك ، وإذا صار غالبا وواليا ﴿سَعى﴾ واجتهد ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ جميعها ، لا يتفاوت في نظره مكان ﴿لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ نقل أنّ الأخنس لمّا انصرف من عند النّبيّ صلىاللهعليهوآله وخرج من المدينة ، مرّ بزرع المسلمين فأحرق الزّرع وقتل الحمر (٣) .
وقيل : كان بينه وبين ثقيف عداوة ، فأتاهم ليلا فأحرق زرعهم وأهلك مواشيهم (٤) .
فإنّ هذه الآية أوفق بما روي عن الأخنس ممّا يروى عن ابن عبّاس.
وقيل : إنّ الأخنس سعى في إدخال الشبهة في قلوب المسلمين ، وتقوية الكفر (٥) ، وتضعيف الاسلام. وهذا هو السّعي للفساد في الأرض لأنّه موجب للاختلاف بين النّاس وتفريق كلمتهم ، فيتبرّأ بعضهم من بعض ، ويتقطّعون أرحامهم ، ويشتغلون بالحرب ، فيهلك الحرث والنّسل.
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.
(٢) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.
(٣) تفسير الرازي ٥ : ١٩٧.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٣٢٣.
(٥) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٠.