قال : « لا بل ردّهم الله حتى سكنوا الدّور ، وأكلوا الطّعام ، ونكحوا النّساء ، ومكثوا بذلك ما شاء الله ، ثمّ ماتوا بآجالهم » (١) .
وروي أنّ حزقيل ندب قومه إلى الجهاد فكرهوا ، فأرسل الله عليهم الموت ، فلمّا كثر فيهم خرجوا من ديارهم فرارا من الموت ، فلمّا رأى حزقيل ذلك قال : اللهمّ إله يعقوب وإله موسى ترى خطيئة عبادك ، فأرهم آية في أنفسهم تدلّهم على نفاذ قدرتك ، وأنّهم لا يخرجون من قبضتك. فأرسل الله عليهم الموت ، ثمّ أنّه عليهالسلام ضاق صدره بسبب موتهم ، فدعا مرّة اخرى ، فأحياهم الله (٢).
وروي عن ابن عبّاس أنّ ملكا من ملوك بني إسرائيل ، أمر عسكره بالقتال ، فخافوا القتال ، وقالوا لملكهم : إنّ الأرض التي تذهب إليها فيها الوباء ، ونحن لا نذهب إليها حتى يزول ذلك الوباء ، فأماتهم الله تعالى بأسرهم ، وبقوا ثمانية أيام حتى انتفخوا. وبلغ بني إسرائيل موتهم ، فخرجوا لدفنهم ، فعجزوا من كثرتهم فحظروا عليهم حظائر. فأحياهم الله بعد الثّمانية ، وبقي فيهم شيء من ذلك النّتن ، وبقي ذلك في أولادهم إلى هذا اليوم (٣) .
وقيل : إنّ حزقيل هو ذو الكفل ؛ لأنّه تكفّل بشأن سبعين نبيّا وأنجاهم من القتل (٤) . ولعلّ المراد من ملك بني إسرائيل - في رواية ابن عبّاس - هو حزقيل.
وقيل : إنّه ثالث أوصياء موسى عليهالسلام ، وكان أوّلهم يوشع بن نون ، وثانيهم كالب بن يوحنّا ، وثالثهم حزقيل بن يوز ، ويقال له : ابن العجوز ، لأنّ امّه كانت عجوزا ، فسألت الله ولدا بعد ما كبرت وعقمت ، فوهبه الله لها.
﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ جميعا ، حيث إنّه بتلك الإماتة والإحياء عرّفهم نفسه بالقدرة الكاملة ، والرّحمة الشاملة ، وحثّهم على التّوكّل والتّسليم والإذعان بالمعاد ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ لانهماكهم في الشّهوات ﴿لا يَشْكُرُونَ﴾ فضله وإحسانه ، ولا يعتبرون بهذه الآيات ، ولا ينتفعون بها.
وقيل : إنّ الله سبحانه ساق القصّة للحثّ على الجهاد ، لدلالة قوله بعده : ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه لإعلاء كلمته ، فإنّ الفرار من الموت ليس بمنج منه ، كما قال تعالى : ﴿أَيْنَما تَكُونُوا
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٦٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٦٣.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٦٢.
(٤) تفسير الرازي ٦ : ١٦٤.