نبيّه صلىاللهعليهوآله في عالم الأشباح محيطا ومشاهدا لجميع وقائع هذا العالم ، خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ ولم تنظر ﴿إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ﴾ وقيل : المراد ألم ينته علمك إليهم ؟ (١)﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ كثيرة ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ ولأجل الفرار منه ﴿فَقالَ لَهُمُ اللهُ﴾ أو بلسان ملك ﴿مُوتُوا﴾ وإسناده إلى ذاته المقدّسة للتّهويل والتّخويف ، أو المراد من القول وصورة الأمر تعلّق إرادته التّكوينيّة بموتهم ، كما كنّى عن إرادة الإيجاد بقوله : ﴿كُنْ*﴾ فماتوا جميعا دفعة في مكانهم ﴿ثُمَّ أَحْياهُمْ﴾
عن الباقر والصادق عليهماالسلام : « أنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام ، وكانوا سبعين ألف بيت ، وكان الطّاعون يقع فيهم في كلّ أوان ، فكانوا كلّما أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوّتهم ، وبقي فيها الفقراء لضعفهم ، فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ، ويقل في الذين خرجوا ، فيقول الذين خرجوا : لو كنّا أقمنا لكثر فينا الموت. ويقول الذين أقاموا : لو كنّا خرجنا لقلّ فينا الموت. فاجتمع رأيهم جميعا على أنّه إذا وقع طاعون [ فيهم ] وأحسّوا به خرجوا كلّهم من المدينة ، فلمّا أحسّوا بالطّاعون خرجوا جميعا ، وتنحّوا عن الطّاعون حذر الموت ، فساروا في البلاد ما شاء الله.
ثمّ أنّهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطّاعون ، فنزلوا بها ، فلمّا حطّوا رحالهم وأطمأنّوا قال لهم الله عزوجل : موتوا جميعا ، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح ، وكانوا على طريق المارّة ، فكنسهم المارّة ونحّوهم وجمعوهم في موضع ، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل ، فلمّا رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال : يا ربّ لو شئت لأحييتهم السّاعة كما أمتّهم ، فعمّروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك ، فأوحى الله تعالى إليه : أفتحبّ ذلك ؟ قال : نعم يا ربّ ، قال : فأوحى الله عزوجل [ إليه ] أن قل كذا وكذا ، فقال الذي أمره الله عزوجل أن يقوله - قال أبو عبد الله عليهالسلام : وهو الاسم الأعظم - فلمّا قال حزقيل ذلك نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض ، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض ؛ يسبّحون الله عزوجل ، ويكبّرونه ويهلّلونه ، فقال حزقيل عند ذلك : أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير » .
فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « فيهم نزلت هذه الآية » (٢) .
أقول : تدلّ الرواية على أنّ الإماتة كانت عقوبة لهم.
وفي رواية عن الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل : أماتهم ، أم ردّهم إلى الدّنيا حتى سكنوا الدّور ، وأكلوا الطّعام ؟
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٣٧٧.
(٢) الكافي ٨ : ١٩٨ / ٢٣٧.