غير المستحقّ على من هو أحقّ قبيح ، كتقديم أبي بكر على عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام في الخلافة.
ثمّ أعترضوا ثانيا ، بقولهم : ﴿وَ﴾ الحال أنّ طالوت ﴿لَمْ يُؤْتَ﴾ ثروة ولم يعط ﴿سَعَةً مِنَ الْمالِ﴾ فيشرف بالمال إذا فاته شرف الحسب ، بل هو فقير معدم ، لا مال له كي يتقوّى به في تأسيس ملكه وسلطانه. قيل : كان راعيا ، وقيل : مكاريا (١) ، وقيل : دبّاغا ، وقيل : سقّاء (٢) .
﴿قالَ﴾ النبيّ ردّا عليهم ﴿إِنَّ اللهَ﴾ بحكمته ﴿اصْطَفاهُ﴾ واستخلصه للملك واختاره ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وليس لكم أن تعترضوا على الله في ما اختاره واصطفاه.
ثمّ بعد الجواب الإجمالي ، شرع في الجواب التّفصيلي بقوله : ﴿وَزادَهُ بَسْطَةً﴾ وسعة ﴿فِي الْعِلْمِ﴾ بأحكام الدّين وسياسة الملك وشؤون الحرب ، ﴿وَ﴾ بسطة في ﴿الْجِسْمِ﴾ وعظمة في الجثّة ، وطولا في القامة ، وشدّة في البطش.
في أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام كان أحقّ بالخلافة من غيره
وتوضيح الجواب : أنّ شرافة النّسب ، وكثرة المال ليستا من الكمالات الحقيقيّة ، وممّا له دخل في لياقة الملك وأهليّة الإمارة ، وإنّما الدّخيل في استحقاق هذا المنصب العلم بأحكام الدّين ، وسياسة الملك ، وعظمة الجسم ، وكمال القوى ، والشّجاعة.
فبالعلم تدبّر المملكة وتنظم الامور ، وبالجسامة تعظم مهابته في الأنظار ، وبالشّجاعة يكايد الأعداء ، ويقاوم في الهيجاء ، ولذا كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أحقّ بالخلافة من سائر الصّحابة ؛ لأنّه كان أعلم وأزهد وأشجع من جميع النّاس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله فكان بخلافته أولى ، وهذا مع قطع النّظر عن اصطفائه [ من قبل ] الله ونصبه بالنصّ الصّريح على ولايته.
قيل : كان طالوت أطول من جميع بني إسرائيل برأسه ومنكبه ، حتى إنّ الرّجل القائم كان يمدّ يده فينال رأسه ، وكان أجمل وأقوى من جميعهم.
﴿وَاللهُ﴾ الذي بيده الملك والملكوت ﴿يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ﴾ من عباده. وفيه دلالة على أن لا ملك لغيره ﴿وَاللهُ واسِعٌ﴾ حكمة وفضلا ورحمة ، فيوسع على الفقير ويغنيه ﴿عَلِيمٌ﴾ بمصالح العالم وقابليّات بني آدم.
في اعتراض الفخر الرازي على الإمامة وجوابه
قال الفخر : هذه الآية تدلّ على بطلان قول من يقول : إنّ الإمامة موروثة (٣) ، ولعلّ
__________________
(١) المكاري : هو الذي يكري ، أي : يؤجّر الدّواب - من البغال والحمير - لغيره.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ١٧٣.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ١٧٣.