﴿وَ﴾ الحال أنّا ﴿قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا﴾ وطردنا من أوطاننا ، وأغتربنا من أهلنا ﴿وَأَبْنائِنا﴾ وكلّ من هذه المصائب والبليّات أقوى المهيّجات إلى القتال.
وقيل : إنّ جالوت كان رأس العمالقة وملكهم ، وهو من أولاد عمليق بن عاد ، وكان هو والعمالقة يسكنون ساحل بحر الرّوم بين مصر وفلسطين ، وظهروا على بني إسرائيل ، وأخذوا ديارهم ، وسبوا أولادهم ، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين نفسا وضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم (١) .
﴿فَلَمَّا كُتِبَ﴾ وفرض ﴿عَلَيْهِمُ الْقِتالُ﴾ بعد دعاء النبيّ وبعث الملك ، آل أمرهم إلى أن ﴿تَوَلَّوْا﴾ وتخلّفوا عن القتال. قيل : لأنّهم علّلوا قتالهم بحظوظ النّفس ، فخذلوا وظلموا عند الامتحان ﴿إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، بعدد أصحاب بدر ، وأصحاب القائم عليهالسلام ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالتّقاعد عن الجهاد.
في اصطفاء طالوت للسّلطنة
ثمّ بيّن الله تعالى تفضيل بعث الملك ، وتولّي القوم بقوله : ﴿وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ بعد مراجعة الله ووحيه : ﴿إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً﴾ فأطيعوه وقاتلوا عدوّكم معه.
روي أنّه عليهالسلام لمّا دعا ربّه أن يجعل لهم ملكا ، أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم ، فلم يساوها إلّا طالوت (٢) .
قيل : إنّ اشموئل (٣) جاء بعصا وقرن فيه دهن القدس ، قال : إنّ صاحبكم الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا ، ونقل أنّه ضلّت حمير لأبي طالوت ، فأرسله أبوه في طلبها ، فمرّ ببيت إشموئل ، فدخل عليه حتى يسأله عن الحمير ، فقاسه طالوت بالعصا ، فكان على طولها ، فقال لطالوت : قرّب رأسك فقرّبه ، فدهنه بدهن القدس ، ثمّ قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن املّكه عليهم ، قال : بأيّ آية ؟ قال : بآية أنّك ترجع وقد وجد أبوك حميره ، فكان كذلك (٤) . ثمّ أخبر إشموئل بني إسرائيل بنصب طالوت للسلطنة.
وقيل : لمّا كانت السلطنة في بيت يهودا ، وكان طالوت من سبط بنيامين ، وكان سبط بنيامين قليلا مستحقرا بين بني إسرائيل.
﴿قالُوا﴾ متعجّبين من قول النبيّ ، ومنكرين له : ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ﴾ والسلطنة ﴿عَلَيْنا﴾ وكيف يمكن أن يكون ذلك ﴿وَنَحْنُ﴾ لشرافة بيوتنا ﴿أَحَقُ﴾ وأولى ﴿بِالْمُلْكِ﴾ والسّلطنة ﴿مِنْهُ﴾ فتقديم
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٣٩.
(٢) تفسير أبي السعود ١ : ٢٤٠.
(٣) في النسخة : الشموئل.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٣٨٣.