ثمّ أنّه تعالى لمّا أمر بالقتال ، ذكر قصّة مخالفة بني إسرائيل ، وغلبة فئة قليلة منهم فئة كثيرة ، ليعلم المؤمنون قبح مخالفة أمر الجّهاد ، وليتّكلوا في النّصرة على الله لا على الكثرة والعدد والعدّة. ولعلّه لاظهار إحاطة قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله - في عالم الأشباح - بجميع وقائع العالم من بدء الخلقة كما مرّ ، قال مخاطبا له ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى﴾ حال ﴿الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ وأشرافهم ؟ وهذا الاستفهام لتقرير من بلغ إليهم القصّة بالتواتر ، أو العجب من شأن الملأ وهم كانوا ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ وفاة ﴿مُوسى﴾ ابن عمران ﴿إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ قيل : هو يوشع بن نون وصيّ موسى ، وهو من ولد يوسف. وقيل : شمعون من ولد لاوي بن يعقوب. وقيل : إشموئل من بني هارون (١) .
نقل أنّه لمّا ادّعى النبوّة كذّبه بنو إسرائيل ، وقالوا له : إن كنت صادقا فأتنا بآية. ولمّا كان قوام بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك ، وطاعة الملوك لأنبيائهم ، وكان الملك يسيّر الجموع ، والنبيّ يقيم أمره ، ويشير عليه ، قالوا له : إن كنت نبيّا ﴿ابْعَثْ﴾ وانهض ﴿لَنا مَلِكاً﴾ وأميرا نصدر عن رأيه وتدبيره في قتال كفّار العمالقة ، حتى ﴿نُقاتِلْ﴾ معه ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه.
عن ( العيّاشي ) : عن الصادق عليهالسلام قال : « فإنّ الملك في ذلك الزّمان هو الذي يسير بالجنود ، والنبيّ يقيم له أمره وينبئه بالخبر من عند ربّه » (٢) .
في استيلاء جالوت رأس العمالقة على بني إسرائيل بعصيانهم وتغييرهم دين الله وعتوّهم عن أوامره
عن الباقر عليهالسلام : « أنّ بني إسرائيل من بعد موسى عملوا بالمعاصي ، وغيّروا دين الله ، وعتوا عن أمر ربّهم ، وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم ، فلم يطيعوه ، فسلّط الله عليهم جالوت ، وهو من القبط ، فآذاهم وقتل رجالهم ، وأخرجهم من ديارهم ، وأخذ أموالهم ، واستعبد نساءهم ، ففزعوا إلى نبيّهم ، وقالوا : اسأل الله تعالى أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله. وكانت النبوّة - في بني إسرائيل - في بيت ، والملك في بيت آخر ، لم يجمع الله لهم النبوّة والملك في بيت واحد ، فمن ذلك قالوا : ابعث لنا ملكا » (٣) الخبر.
﴿قالَ﴾ النّبيّ ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ وقاربتم ﴿إِنْ كُتِبَ﴾ ووجب ﴿عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا﴾ جبنا وخوفا ، فإنّي أظنّ وأتوقّع جبنكم عن القتال.
﴿قالُوا وَما﴾ العذر ﴿لَنا﴾ وأيّ داع يتصوّر في ﴿أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وأن نترك نصرة دينه
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ١٧٠.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٥٠ / ٥٤١.
(٣) تفسير القمي ١ : ٨١ ، بحار الأنوار ١٣ : ٤٣٩ / ٤.