﴿إِلَّا هُوَ﴾ وحده ، لا شريك له في الالوهيّة ، وفيه تنزيهه من جميع النّقائص.
ثمّ بعد إثبات الصفات الجلاليّة إجمالا ، أثبت له الصّفات الجماليّة بذكر الصّفة الجامعة لها ، وهي ﴿الْحَيُ﴾ قيل في معناه : الدّائم ، الباقي ، الفعّال ، المريد. وقيل : إنّه المدرك بذاته ، والقادر بإرادته.
و﴿الْقَيُّومُ﴾ وهو المتقوّم بذاته ، المقوّم لكلّ ما عداه في ماهيّته ووجوده ، والعالم بتدبير جميع الخلق وحفظهم ، فيدلّ هذا الوصف على كون ذاته المقدّسة قديمة ، أزليّة ، دائمة ، غنيّة ، قادرة ، عالمة.
روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : « لمّا كان يوم بدر قاتلت ، ثمّ جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أنظر ماذا يصنع - قال - فجئت وهو ساجد ، يقول : يا حيّ يا قيّوم ؛ لا يزيد على ذلك ، ثمّ رجعت إلى القتالّ ، ثمّ جئت وهو يقول ذلك ، فلا أزال أذهب وأرجع وأنظر إليه ، وكان لا يزيد على ذلك ، إلى أن فتح الله له » (١) . وقال بعض : إنّه الاسم الأعظم (٢) .
روي عن ابن عبّاس أنّه كان يقول : أعظم أسماء الله الحيّ القيّوم (٣) .
ونقل أنّ عيسى عليهالسلام إذا أراد أن يحيي الموتى يقول : يا حيّ يا قيوم (٤) .
وقيل : دعاء من خاف الغرق في البحر : يا حيّ يا قيّوم (٥) .
ثمّ قرّر تعالى صفة القيموميّة بذكر لازمها ، بقوله : ﴿لا تَأْخُذُهُ﴾ ولا تعتريه ﴿سِنَةٌ﴾ وفتور ، أو نعاس ﴿وَلا نَوْمٌ﴾ قيل : هو كناية عن عدم غفلته عن تدبير الخلق (٦) ، كما أنّه يقال لمن غفل عن شيء وضيعه : إنّك وسنان نائم.
ثمّ أكّد قيمومته ، واحتجّ على تفرّده بالتّدبير بأنّ ﴿لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ إذ هو خالق جميع الممكنات ومبدعها ، فكلّها ملكه وتحت قدرته وسلطانه ، ليس لغيره في عوالم الوجود تصرّف ولا حكم ولا نفوذ إرادة.
ثمّ لمّا كانت قريش يعبدون الأصنام بزعم أنّها شفعاء عند الله ، عظّم كبرياءه ، وأثبت توحّده في العبادة ، وأنكر عليهم اعتقاد كونهم شفعاء بقوله : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ﴾ في شيء من الأشياء وأمر من الامور ﴿إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وإجازته ورضاه ، ومن الواضح أنّه لا إذن إلّا لمن له كرامة لديه ، ومقام محمود عنده ، كالنبيّ وخلفائه وصلحاء امتّه ، دون الأصنام والكفّار.
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٣.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٤٠٠.
(٣) تفسير الرازي ٧ : ٣.
(٤ و٥) . تفسير الرازي ٦ : ١٧٦ .. تفسير روح البيان ١ : ٤٠٠.
(٦) تفسير الرازي ٧ : ٦.