نزل بلغتهم (١) .
وقال الحارث المحاسبي : المشهور أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشّام في حروف القراءات (٢) .
أقول : الظاهر من بعض الروايات ، وجمع من العلماء ، أنّ الجمع الذي وقع في زمان النبي صلىاللهعليهوآله كان مشتملا على العلوم المرتبطة بالقرآن ، من بيان شأن نزول الآيات ، ومن التفسيرات والتأويلات المأخوذ من النبي صلىاللهعليهوآله ووجوه القراءات ، كما نقل عن ابن سيرين أنّه قال : بلغني أنّه كتبه عليّ عليهالسلام على تنزيله ، ولو أجيب إلى ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير (٣) .
وقال : إنّه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ (٤) .
وقال بعض العامّة : قد كان بعض الصحابة يدخلون في قراءتهم شيئا من التفسير إيضاحا ، لأنّهم محقّقون فيما تلقّوه من رسول الله صلىاللهعليهوآله قرآنا ، فهم آمنون من أن يلبس بعض ذلك ببعض ، وربّما كان يكتبه بعضهم (٥) ، كقراءة ابن عباس : ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾(٦) ثمّ يزيد (٧) ( في مواسم الحجّ ) (٨) .
أقول : ولعلّ قراءة بعض الآيات المنسوبة إلى عبد الله بن مسعود من هذا القبيل ، كقراءته قوله تعالى : ﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ فاختلفوا ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾(٩) .
ثم إنّه لمّا كان في هذا الجمع فضائح القوم ؛ أسقط أبو بكر شأن نزول الآيات وتفسيرها وتأويلها ، وجمعه ثانيا مع إثبات وجوه القراءات ، ثمّ في زمان عثمان لمّا كثر الاختلاف جمعه ثالثا على قراءة زيد بن ثابت ، وحمل الناس على قراءته ، وأسقط سائر القراءات وأحرق مصاحف الكمّلين من قرّاء الصحابة كعبد الله ابن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما.
ونقل عن ابن مسعود ما يقرب من هذا المضمون : لو كان لي مثل ما لهم لفعلت بصحفهم مثل ما
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١٠.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١١.
(٣) الاستيعاب - المطبوع بهامش الاصابة ٢ : ٢٥٣.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٤.
(٥) النشر في القراءات العشر ١ : ٣٢.
(٦) البقرة : ٢ / ١٩٨.
(٧) أي بعد الآية للتفسير والايضاح.
(٨) صحيح البخاري ٦ : ٥٩ / ٤٤.
(٩) البقرة : ٢ / ٢١٣.