وربطها بخيط حتّى لا يضيع منها شيء.
قال : فإن قيل : كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال ؟
قيل : لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف ، قد شاهدوا تلاوته من النبي صلىاللهعليهوآله عشرين سنة ، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا ، وإنّما [ كان ] الخوف من ذهاب شيء من صحفه.
وقد تقدّم في حديث [ زيد ] أنّه جمع القرآن من العسب واللخاف. وفي رواية : والرقاع ، وفي اخرى : من قطع الأديم ، وفي اخرى : والأكتاف ، وفي اخرى : والأضلاع ، وفي اخرى : والأقتاب (١) .
قال الحاكم : والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان (٢) .
روى البخاري عن أنس ، أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشّام في فتح إرمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال لعثمان : أدرك [ هذه ] الأمّة قبل أن يختلفوا [ في الكتاب ] اختلاف اليهود والنّصارى ، فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد ابن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيّين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كلّ افق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال زيد : ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاريّ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾(٣) .. الآية ، فألحقناها في سورتها في المصحف (٤) .
وقال جمع من العامّة : إنّ جمع عثمان كان لمّا كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتّى قرأوه بلغاتهم على اتّساع اللغات ، فأدّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك ، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتّبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش ، محتجّا بأنّه
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٠٦.
(٢) مستدرك الحاكم ٢ : ٢٢٩.
(٣) الأحزاب : ٣٣ / ٢٣.
(٤) صحيح البخاري ٦ : ٣١٥ / ٩.