لحبط أعمالهم وضياعها ، وعدم استحقاقهم الأجر عليها.
فالكافر المنافق كالحجر الأملس ، وإنفاقه كالتّراب على الحجر ، والكفر والرّياء كالمطر الشّديد ، وكذلك المنفق والمؤذي كالحجر ، والمنّ والأذى كالمطر الشّديد يذهبان بما للإنفاق من الأجر والثّواب.
ثمّ أشار سبحانه إلى سبب هذا الخسران بقوله : ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي﴾ ولا يوفّق لسلوك طريق الخير والرّشاد ﴿الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾
وفيه تعريض على المانّ المؤذي في إنفاقه ، وإشعار بأنّ الخصال المزبورة من خصال الكفّار ، والمؤمن منزّه عنها ، أو إيماء على أنّ المانّ المؤذي والمرائي يموتون كفّارا ، ويحشرون كفارا.
نقل عن بعض أن مثل من يقصد بالطّاعة الرّياء والسّمعة ، كمثل رجل خرج إلى السّوق وملأ كيسه حصى ، فيقول النّاس : ما أملأ كيس هذا الرّجل ! ولا منفعة له سوى مقالة النّاس ، فلو أراد أن يشتري به شيئا لا يعطى به شيئا.
نقل أنّ بعضا بالغوا في إخفاء الصّدقة ، وكانوا يطلبون فقيرا أعمى لا يعلم من المتصدّق ، أو كانوا يربطون في ثوب الفقير وهو نائم ، أو كانوا يلقونها في طريق الفقير ليأخذها (١) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر » قالوا : يا رسول الله ، وما الشّرك الأصغر ؟ قال : « الرّياء ، يقول الله لهم حين يجازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون لهم ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟ » (٢) .
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ
جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)﴾
ثمّ أنّه سبحانه بعد ذكر المثل لإنفاق المانّ والمؤذي والمرائي ، ذكر مثلا لإنفاق المؤمن المخلص في إنفاقه وكثرة ثوابه بقوله : ﴿وَمَثَلُ﴾ إنفاق المؤمنين ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ﴾ في وجوه الخير قاصدين بإنفاقهم ﴿ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾ وطلب ثوابه ﴿وَتَثْبِيتاً﴾ لبعض ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ وجعلا
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤٢٣.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٤٢٣.