يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها ، فأبى الله تبارك وتعالى إلّا أن يخرجوا من طيّب (١) ما كسبوا » (٢).
وروي أنّ الله طيّب ، ولا يقبل إلّا الطيّب (٣) ، وعلى هذا تكون الآية في بيان شرط صحّة الإنفاق.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في تمر الصّدقة » (٤) . وعليه تكون بيانا لشرط كماله. ويحتمل أن يكون المراد من الطّيّب القدر المشترك بين الحلال والجيّد.
وقيل : إنّ شرط الحلّيّة مستفاد من الأمر حيث إنّ الإنفاق من الحرام لا يؤمر به ، ومن قوله تعالى بعده : ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ والخبيث هو الرّديء المستخبث ، واعتبار جودة المال يستفاد من قوله : ﴿طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ﴾
اعتراض ودفع
إن قيل : قد ثبت في الشّرع على مذهب الإمامية وجوب أداء الخمس من المال المختلط بالحرام ، إذا لم يعلم مالكه وقدره - وهو مناف لمدلول الآية من اعتبار الحلّية في المال - فإنّ الأمر بأداء الخمس من المال المختلط بالحرام ، أمر بالإنفاق من المال الحرام.
قلنا : يستفاد من تشريع الخمس تحقّق المعاوضة القهريّة من مالك الملوك الذي هو وليّ المؤمنين ، بأن يصير مال الحرام حين الاختلاط ملكا للمتصرّف بعوض الخمس الذي يصرفه في مصارفه.
﴿وَ﴾ أنفقوا ﴿مِمَّا﴾ من طيّبات ما ﴿أَخْرَجْنا﴾ وأنبتنا ﴿لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ من الحبوب والثّمار والمعادن ﴿وَلا تَيَمَّمُوا﴾ ولا تقصدوا حين إرادة الإنفاق ﴿الْخَبِيثَ﴾ من المال ، وهو المال الحرام ، أو المعيوب حال كونهم ﴿مِنْهُ﴾ خاصّة ﴿تُنْفِقُونَ﴾ في سبيل الله ، وتختارون لأنفسكم الحلال والجيّد. وفيه إشعار بأنّه لا بأس بالإنفاق من الرّديء إذا كان كلّ المال رديئا.
وقيل : إنّ قوله : ﴿مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ بتقدير همزة الاستفهام التّوبيخي ، فيكون المعنى : أمن الخبيث تنفقون ؟ ! ﴿وَ﴾ الحال أنّكم ﴿لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ من أخذه عوضا من حقوقكم ، أو في معاملاتكم في وقت من الأوقات ، أو بوجه من الوجوه ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا﴾ وتسامحوا ﴿فِيهِ﴾ مخافة فوت حقّكم ، أو لاحتياجكم إليه.
__________________
(١) في الكافي : أطيب.
(٢) الكافي ٤ : ٤٨ / ١٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٤.
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٠٣ / ١٠١٥.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٦٥٥ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٥.