﴿وَما تُنْفِقُونَ﴾ ولا تتصدّقون على المشركين - ولو كانوا من أرحامكم وأقاربكم - لعلّة من العلل ، أو وجه من الوجوه ﴿إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ﴾ وطلبا لمرضاته ، لا لتأييدهم في كفرهم ، ولا للرّكون إليهم في باطلهم ، فإنّ الله عالم بما في قلوبكم من الإخلاص ، وقصد صلة الرّحم ، وسدّ خلّة المضطرّ. وأمّا تلبّسهم بالكفر فليس بمانع عن الإنفاق ، إلّا إذا كان من الصّدقات المفرضة كالزّكاة والفطرة ، أو كان في الإنفاق عليهم تقوية الباطل وتضعيف الحقّ ، ففي الصورتين لا يجوز الإنفاق على غير أهل الحقّ.
ثمّ بالنّظر إلى العداوة الدّينيّة بين المسلمين والكفّار الرّادعة للمسلمين عن الإنفاق عليهم ، وقوّة توهّم مرجوحيّة الإنفاق عليهم في نظر المسلمين ، أكّد الله سبحانه فضله وكثرة ثوابه بقوله : ﴿وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ ومال على المسلم أو الكافر ﴿يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أجره المضاعف ، ويوفّر لكم ثوابه ، مضافا إلى ما يخلفه كما روي عنه صلىاللهعليهوآله : « اللهمّ اجعل للمنفق خلفا ، وللممسك تلفا » (١) .
﴿وَأَنْتُمْ﴾ أيّها المنفقون لوجه الله ﴿لا تُظْلَمُونَ﴾ في حقّكم ، ولا تنقصون من أجركم ، فلا ينبغي التّسامح فيه.
قال بعض : لو كان الفقير شرّ خلق الله ، لكان لك ثواب نفقتك (٢) .
﴿لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ
الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما
تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا بيّن تعميم استحباب الصّدقة للمؤمن والكافر ، بيّن أولويّة المؤمنين الخلّص ؛ بالإنفاق ، وأفضليّة التّصدّق عليهم بقوله : ﴿لِلْفُقَراءِ﴾ من المؤمنين الخلّص ، اجعلوا صدقاتكم ، وهم ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا﴾ وحبسوا عن تحصيل المعاش ، لاستغراق أوقاتهم بالعبادات من الجهاد ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة الدّين ، ومنهم العلماء المروّجون للشّرع ، والمشتغلون بتحصيل العلوم الدّينيّة ، فإنّهم ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ﴾ لكثرة اشتغالهم بالعبادات والمهّام الإسلاميّة ﴿ضَرْباً﴾ وسيرا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ للتّجارة ، وطلب المعيشة.
ذكر أصحاب الصّفة وأوصافهم
قيل : نزلت في فقراء المهاجرين ، وكانوا نحوا من أربعمائة ، لم يكن لهم مسكن
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٦٥.
(٢) الكشاف ١ : ٣١٧ ، تفسير الرازي ٧ : ٧٨.