قَبْلِنا﴾ يعني بالإصر الشّدائد التي كانت على من كان قبلنا ، فأجابه الله تعالى [ إلى ] ذلك ، فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن امّتك الآصار التي كانت على الامم السّالفة ، كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع من الأرض المعلومة (١) اخترتها لهم وإن بعدت ، وجعلت الأرض كلّها [ لامّتك ] مسجدا وطهورا ، فهذه من الآصار التي كانت على الامم قبلك ، فرفعتها عن امّتك.
وكانت الامم السّالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوها من أجسادهم ، وقد جعلت الماء طهورا لامّتك ، فهذه من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن امّتك.
وكانت الامم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت إليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا ، وقد جلعت قربان امّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم أقبل منه رفعت عنه عقوبات الدّنيا.
إلى أن قال : وكانت الامم السّالفة صلواتها مفروضة عليها فى ظلم اللّيل وأنصاف النهار ، وهي من الشّدائد التي كانت عليهم ، فرفعتها عن امّتك ، وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف اللّيل والنّهار ، وفي أوقات نشاطهم.
وكانت الامم السّالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن امّتك ، وجعلتها [ خمسا ] في خمسة أوقات » (٢) .
وقيل : إنّ من الآصار : قتل النّفس في التّوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وحرمة أكل الصائم بعد النوم وبعض الطّيّبات عليهم بالذّنوب ، وكتابة ذنب اللّيل على الباب بالصّبح ، وكون الزّكاة ربع ما لهم ، وغير ذلك من الشّدائد. وقد عصم الله عزوجل هذه الامّة من أمثال ذلك ، وأنزل في شأنهم ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾(٣) ، وقال صلىاللهعليهوآله : « بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة » (٤) .
ثمّ كرّر النّداء بقوله : ﴿رَبَّنا﴾ إظهارا لمزيد الضّراعة ﴿وَلا تُحَمِّلْنا﴾ ولا تنزل بذنوبنا وإسرافنا على أنفسنا ﴿ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ ولا صبر لنا عليه ، من البلايا والعقوبات النازلة على الامم السّالفة.
واستدل الأشاعرة به على جواز التّكليف بما لا يطاق.
__________________
(١) في المصدر : بقاع معلومة من الأرض.
(٢) الاحتجاج : ٢٢١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٩.
(٣) الأعراف : ٧ / ١٥٧.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ٤٤٩.