وجميع هذه العلائم المذكورة في الكتب منطبقة على محمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه ، فلو لم يكن صادقا في دعوى رسالته وكتابه منزلا من الله ، لكان إخبار الكتب السّماويّة كذبا ، فجميع الكتب المنزلة شواهد صدق القرآن ، وأدلّة كونه منزلا من الله ، فكلّ من آمن بها يلزمه الإيمان به.
ثمّ استدلّ سبحانه بنعمه السّابقة على الامم السّالفة بقوله : ﴿وَأَنْزَلَ﴾ سبحانه دفعة ﴿التَّوْراةَ﴾ على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ على عيسى بن مريم ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي الأزمنة السّابقة على نزول القرآن ؛ لأجل أن يكون كلّ واحد منهما ﴿هُدىً﴾ ودليلا مرشدا ﴿لِلنَّاسِ﴾ المكلّفين باتّباعهما إلى الحقّ والرّشاد.
ولا يذهب عليك أنّه ظهر من تفسيرنا الفرق بين التّنزيل والإنزال ، وأنّ التّنزيل متضمّن للكثرة والتّدرّج في النّزول دون الإنزال. ولمّا كان القرآن جامعا بين الجهتين ، باعتبار نزوله دفعة إلى البيت المعمور ، وتدريجا إلى الأرض ، اسند إليه التّنزيل في أوّل الآية.
ثمّ للدلالة على كونه أعظم شأنا ، وأتمّ نعمة من غيره ، أعاد ذكره بقوله : ﴿وَأَنْزَلَ﴾ الكتاب الذي جعله ﴿الْفُرْقانَ﴾ بين الحقّ والباطل ، والمائز بين الضّلال والرّشاد ، والمبيّن لمشتبهات سائر الكتب السّماويّة ، والمهيمن عليها.
عن الصّادق عليهالسلام : « القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به » (١) .
وفي رواية : « الفرقان كلّ آية محكمة » (٢) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله « سمّي القرآن فرقانا ؛ لأنّه متفرّق الآيات ، والسّور انزلت في غير الألواح وغير الصّحف (٣) ، والتّوراة [ والإنجيل ] والزّبور انزلت كلّها جملة في الألواح والأوراق » (٤) .
أقول : لا منافاة بين هذه الأخبار ، لإمكان إطلاق هذا الوصف عليه بكلا الاعتبارين ، فتحصّل من الآيات أنّ من كان كمال قدرته ، وسعة لطفه ورحمته ، ووفور نعمته بهذه المرتبة ، كان هو المعبود بالاستحقاق دون عيسى وغيره من الخلق.
ثمّ بعد وضوح الحقّ وإبطال الشّرك بالبراهين القاطعة ، أخذ سبحانه في التّهديد على الكفر
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٦١ / ١١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٢.
(٢) جوامع الجامع : ٥٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٢.
(٣) في علل الشرائع : وغيره من الصحف.
(٤) علل الشرائع : ٤٧٠ / ٣٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٢ ، وفيهما : الألواح والورق.