النّافذ وقدري ، فتفتح الرّحم بابها ، فتصل النّطفة إلى الرّحم ، فتردّد فيه أربعين يوما ، ثمّ تصير علقة أربعين يوما ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوما ، ثمّ تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ، ثمّ يبعث الله إليه ملكين خلّاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله ، يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرّحم ، وفيها الرّوح القديمة المنقولة في أصلاب الرّجال وأرحام النساء ، فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ، ويشقّان له السّمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله تعالى » (١) الخبر.
أقول : الظّاهر أنّ المراد من قوله : ( وما يبدو له ) من يريد خلقه ممّن لم يأخذ عليه الميثاق ، وهم الّذين يموتون قبل البلوغ والتعبير بالبداء لكون الغرض في خلقهم مترتّبا على الغرض من خلق من أخذ عليه الميثاق ، ومتأخّرا عنه في الرّتبة ، فكأنّه حدثت إرادته بعد إرادته.
ومن قوله : ( حرّك الرّجل للجماع ) أنّه أوجد مبادئ هيجان الشّهوة. ومن قوله : ( فأوحى إلى الرّحم ) جعل قوّة الانفتاح فيه ، وتعلّقت الإرادة التّكوينيّة بفتحه. ومن قوله : ( فتردّد فيه ) تغيّر شيئا فشيئا ، ومن حال إلى حال ، حتّى تصير علقة.
ومن قوله : ( الرّوح القديمة ) استعداد صيرورته إنسانا. ومن قوله : ( البقاء ) هو روح البقاء ، وقوّة التّغذية والتنمية. وأنّ المراد من الواو في قوله : ( ويشقّان ) الجمع المطلق ، كما هو مقتضى العطف به ، لا الترتيب ، فلا ينافي تسوية الأعضاء والأحشاء قبل ولوج الرّوح.
إلى أن قال عليهالسلام : « ثمّ يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري ، واشترطا لي البداء فيما تكتبان. فيقولان : يا ربّ ما نكتب ؟ قال : فيوحي الله عزوجل إليهما : أن ارفعا رؤوسكما إلى رأس امّه ، فيرفعان [ رؤوسهما ] ، فإذا اللّوح يقرع جبهة امّه ، فينظران فيه فيجدان في اللّوح صورته وزينته وأجله وميثاقه ، شقيّا أو سعيدا ، وجميع شأنه.
قال : فيملي أحدهما على صاحبه ، فيكتبان جميع ما في اللّوح ، ويشترطان البداء فيما يكتبان ، ثمّ يختمان الكتاب ، ويجعلانه بين عينيه ، ثمّ يقيمانه قائما في بطن امّه. قال : فربّما عتا فانقلب ، ولا يكون ذلك إلّا في كلّ عات أو مارد » (٢) .
وعن الصّادق عليهالسلام ، في رواية : « أنّ الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كلّ صورة ما بينه
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٣ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٣.
(٢) الكافي ٦ : ١٤ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٣.