صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلّا الله وأنبياؤه (١) والرّاسخون في العلم ، وإنّما فعل [ الله ] ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل - من المستولين على ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله - من علم الكتاب ما لم يجعله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار بمن ولّاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراء على الله عزوجل ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم ، وعاونهم ، وعاند الله جلّ اسمه ورسوله » (٢) .
وروى الفخر الرّازي عن ابن عبّاس أنّه قال : تفسير القرآن على أربعة أوجه : تفسير لا يسع أحدا جهله ، وتفسير تعلمه العرب بألسنتها ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلّا الله (٣) .
عن ( الكافي ) : عن الصّادق عليهالسلام : « نحن الرّاسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله » (٤) .
وفي رواية : « فرسول الله صلىاللهعليهوآله أفضل الرّاسخين في العلم ، قد علّمه الله جميع ما أنزل عليه من التّنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه » (٥) .
ثمّ وصف سبحانه وتعالى الرّاسخين في العلم بأنّهم - مع علمهم بالتّأويل ، وفهمهم حقيقة المتشابه كالمحكم - ﴿يَقُولُونَ﴾ بألسنتهم طبقا لما في قلوبهم : ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ وصدّقنا بحقيقة المراد منه ، فإنّه ﴿كُلٌ﴾ من الآيات المتشابهات ، أو منها ومن المحكمات ، حقّ نازل ﴿مِنْ عِنْدِ رَبِّنا﴾
ويمكن أن يكون حكاية هذا القول عنهم ، لتعليم المؤمنين الّذين لا يعلمون التّأويل أن يقولوا مثله ، ولا يشكّوا - لعدم فهم المراد من المتشابه - في أنّه من عند الله ، ولا يخوضوا في تفسيره بالظنون والاستحسانات ، بل عليهم أن يؤمنوا به ، ويسلّموا له ، ويفوّضوا علمه إلى الله تعالى ، وإلى خزّان علمه ومهابط وحيه.
ذكر قول بعض العامة ورده
قيل : إنّ ﴿الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ مبتدأ ، وقوله : ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ خبره ، وإنّ المتشابه هو ما استأثر الله بعلمه وبمعرفة الحكمة فيه ، كعدد الزّبانيّة ، وعدّة بقاء الدّنيا ، ووقت قيام السّاعة ، إلى غير ذلك (٦) .
وهذا القول في غاية الفساد ، إذ يلزمه أن يكون الرّسول جاهلا بكثير من الآيات ، وغير مطّلع بالمراد ممّا انزل إليه ، مع أنّ القرآن نزل لينتفع النّاس به ، ولو ببيان حملته وأوعية علمه ، فلو كان فيه ما لا
__________________
(١) في الاحتجاج : وامناؤه.
(٢) الاحتجاج : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٣) تفسير الرازي ٧ : ١٧٨.
(٤) الكافي ١ : ١٦٦ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٥) الكافي ١ : ١٦٦ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٥.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ٥.