ثمّ كأنّه قيل : كيف كان شأنهم وحالهم مع الأنبياء ؟ فأجاب سبحانه : بأنّهم ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ وجحدوا المعجزات التي أظهروها ، وأعرضوا عن البراهين العقليّة التي أقاموها ، فنسبوا المعجزات الباهرات إلى السّحر ، والبراهين السّاطعات إلى أساطير الأوّلين وتلفيقات المجانين ﴿فَأَخَذَهُمُ اللهُ﴾ وعذّبهم ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ الموبقة في الدّنيا بأنواع العذاب ؛ من الغرق والخسف والصّيحة وغيرها ﴿وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ وذكر اسم الجلالة وتكراره لإظهار الرّوعة وتربية المهابة.
ثمّ أكّد سبحانه تهديد الكفّار والمردة - لازدياد الرّعب في قلوبهم - بتوعيدهم بعذاب الدّنيا ؛ من القتل والتشريد ، مع عذاب الآخرة ، بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ، وبما انزل إليك ؛ من اليهود والنّصارى وعبدة الأوثان : إنّكم أيّها الطّغاة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ عن قريب ، وتقهرون بأيدي المسلمين وسيوفهم في الدّنيا ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ من قبوركم ، وتساقون في الآخرة ﴿إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ والفراش ، وساء المقرّ الذي هيّأتموه لأنفسكم من النّار.
روي أنّها نزلت قبل وقعة بدر ، فإنّه صلىاللهعليهوآله قال لمشركي قريش يوم بدر : « إنّ الله غالبكم وحاشركم إلى جهنّم ، وبئس المهاد » (١) .
وعن ابن عبّاس : أنّ يهود المدينة لمّا شاهدوا وقعة بدر ، قالوا : والله هذا هو النبيّ الأمّيّ الذي بشّرنا به موسى في التوراة ، ونعته بأنّه لا تردّ له راية ، وهمّوا باتّباعه ، فقال بعضهم : لا تعجلوا حتّى ننظر إلى وقعة اخرى له. فلمّا كان يوم أحد شكّوا - وقد كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إلى مدّة فنقضوه - وانطلق كعب بن أشرف في ستّين راكبا إلى أهل مكّة ، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنزلت [ الآية ](٢) .
وروي عن بعض العامّة ، ونسب أيضا إلى روايات أصحابنا : أنّه لمّا أصاب رسول الله صلىاللهعليهوآله قريشا ببدر ، وقدم المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع ، فقال : « يا معشر اليهود ، أحذروا من الله بمثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، وقد عرفتم أنّي نبيّ مرسل » فقالوا : يا محمّد لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما أغمارا (٣) لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة ، أما والله لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس ، فنزلت [ الآية ](٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ١١.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ١١.
(٣) الأغمار : جمع غمر ، وهو من لم يجرّب الأمور ، ولا علم له بها.
(٤) مجمع البيان ٢ : ٧٠٦.