الآثار.
وقيل : معنى الآية : تودّ وتتمنّى كلّ نفس ، يوم تجد صحائف أعمالها ، أو جزاء أعمالها ، من الخير والشّرّ حاضرة ، لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا (١) .
وقيل : المعنى : اذكروا يوم تجد كلّ نفس و( تودّ ) حال من الضّمير في ( عملت ) أو خبر ل ( ما عملت من سوء ) .
ثمّ بالغ سبحانه في التّحذير وأكّده بتكرار قوله : ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ فاحذروا سخطه وبأسه.
ثمّ لتربيته الخوف والرّجاء في القلوب أردف الوعيد بالوعد ، وأعلن برأفته ، بقوله : ﴿وَاللهُ رَؤُفٌ﴾ سريع الرّضا ، وكثير الرّحمة ﴿بِالْعِبادِ﴾ المؤمنين.
ويحتمل كون التّذييل به ، لبيان علّة التّحذير ، وهي الرأفة العظيمة منه بهم ، حيث يكون تحذيره كتحذير الوالد الشّفيق ولده عمّا يوبقه ويضرّه.
في أن حبّ الله مستلزم لحبّ محبوباته
ثمّ لمّا قالت اليهود والنّصارى : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ، أمر الله رسوله بردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم : ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ﴾ كما تقولون ، فلازم حبّه طاعته والانقياد له ، وطلب القرب منه بالقيام بمرضاته ، حيث إنّ الحبّ هو ميل النّفس إلى شيء ، لإحرازها كمالا وحسنا فيه ، بحيث يحملها إلى ما يقرّبها إليه.
فإن علمتم أنّ ذاته المقدّسة مستجمعة لجميع الكمالات ، بل لا كمال لأحد إلّا هو منه وبإفاضته ، فعليكم أيّها المدّعون لمحبّته أن تطلبوا رضاه وقربه بطاعته.
ثمّ لمّا تبيّن لكم أنّي رسوله إليكم ، وأنّه ما من شيء يقرّبكم إليه إلّا [ و] أنا آمركم به ، وما من شيء يبعدكم عنه إلّا وأنا ناهيكم عنه ، إذن ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ في ما أدعوكم إليه ، وآمركم به من الإقرار برسالتي ، والعمل بأحكامي ، فإذا فعلتم ذلك ﴿يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ ويرضى عنكم ، ويقرّبكم إليه.
وهذا أجزل الاجور وأعظم المثوبات ، لوضوح أنّ أقصى آمال المحبّ كونه محبوبا عند حبيبه ، ولا يتحقّق إلّا بإتيان محبوباته ، وحبّ أحبّائه.
ومن الواضح أنّ أحبّ النّاس إلى الله رسوله وخلفاؤه ، ولذا قال الصادق عليهالسلام : « هل الدّين إلّا الحبّ » (٢) ، ومن أحبّ الرّسول وأوليائه وخلفائه ، أطاعهم وأوفق رضاهم.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٢١.
(٢) الخصال : ٢١ / ٧٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٣.