نزلت ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ولا تكون الذّرّيّة من القوم إلّا نسلهم من أصلابهم » (١) .
والظاهر أنّ السائل احتمل أن يكون المراد بالآل جميع المؤمنين ، كما عليه بعض المفسرين من العامّة ، مستشهدين له بقوله تعالى : ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ﴾(٢) .
﴿وَاللهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوال النّاس ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم وأخلاقهم ، وملكاتهم وأعمالهم ، فيختار منهم من هو أحسن قولا ، وأصلح عملا ، وأزكى قلبا ، وأخلص نيّة ، وأقوى بصيرة ، كما قال تعالى : ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾(٣) .
في أن الأنبياء مخالفون لغيرهم في القوى الروحانية والجسمانية
نقل الفخر الرّازي في تفسيره عن الحليمي كلاما يعجبني أن أذكره بطوله ، لاشتماله على ذكر معجزات عديدة للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفضيلة فائقة لأمير المؤمنين عليهالسلام.
قال الحليمي : إنّ الأنبياء عليهمالسلام لا بدّ أنّ يكونوا مخالفين لغيرهم في القوى الجسمانيّة ، والقوى الرّوحانيّة. أمّا القوى الجسمانيّة ، فهي إمّا مدركة وإمّا محرّكة. أمّا المدركة فهي إمّا الحواسّ الظاهريّة ، وإمّا الحواسّ الباطنيّة. أمّا الحواسّ الظاهريّة ؛ فهي خمسة :
أحدها : القوّة الباصرة ، ولقد كان الرّسول صلىاللهعليهوآله مخصوصا بكمال هذه الصّفة ، ويدلّ عليه وجهان ؛ الأوّل : قوله صلىاللهعليهوآله : « زويت (٤) لي الأرض فاريت مشارقها ومغاربها » ، والثّاني : قوله صلىاللهعليهوآله : « أقيموا صفوفكم وتراصّوا ، فإنّي أراكم من وراء ظهري » . ونظير هذه [ القوة ] ما حصل لإبراهيم ، وهو قوله تعالى : ﴿وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾(٥) ذكروا في تفسيره : أنّه تعالى قوّى بصره حتّى شاهد جميع الملكوت من الأعلى والأسفل.
قال الحليمي : إنّ (٦) البصراء يتفاوتون ، فروي أنّ زرقاء اليمامة كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيّام ، فلا يبعد أن يكون بصر النبيّ أقوى من بصرها.
وثانيها : القوّة السامعة ، وكان صلىاللهعليهوآله أقوى النّاس في هذه القوّة ، ويدل عليه وجهان ؛ أحدهما : قوله صلىاللهعليهوآله : « أطّت (٧) السّماء وحقّ لها أن تئط ، ما فيها موضع قدم إلّا وفيه ملك ساجد لله تعالى » فسمع أطيط السّماء والثاني : أنّه سمع دويّا ، وذكر أنّه هوي صخرة قذفت في جهنّم ، فلم تبلغ قعرها إلى
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٠١ / ٦٧٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٦.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٢٢ ، والآية من سورة المؤمن : ٤٠ / ٤٦.
(٣) الأنعام : ٦ / ١٢٤.
(٤) زوى الشيء : قبضه وجمعه.
(٥) الأنعام : ٦ / ٧٥.
(٦) في المصدر : وهذا غير مستبعد لأنّ.
(٧) أطّ الشيء : صوّت.