الآن.
قال الحليمي : ولا سبيل للفلاسفة إلى استبعاد هذا ، فانّهم زعموا أن فيثاغورس راض نفسه حتّى سمع حفيف الملك (١) . ونظير هذه القوّة لسليمان عليهالسلام في قصّة النّمل : ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ﴾(٢) فالله تعالى أسمع سليمان كلام النّملة ووأقفه على معناه. وهذا داخل أيضا في باب تقوية الفهم ، وكان حاصلا لمحمّد صلىاللهعليهوآله حين تكلّم مع الذّئب ومع البعير.
وثالثها : تقوية قوّة الشّمّ ، كما في حقّ يعقوب عليهالسلام ، فإنّ يوسف لمّا أمر بحمل قميصه إليه وإلقائه على وجهه ، فلمّا فصلت العير قال يعقوب : إنّي أجد ريح يوسف ، لو لا أن تفنّدون. فأحسّ بها من مسيرة أيّام.
ورابعها : تقوية قوّة الذّوق ، كما في حقّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حين قال : « إنّ هذا الذراع يخبرني أنّه مسموم » .
وخامسها : تقوية القوة اللّامسة ، كما في حقّ الخليل ، حيث جعل الله تعالى النّار بردا وسلاما عليه ، وكيف يستبعد هذا ، ويشاهد مثله في السّمندل (٣) والنّعامة ؟ ! .
وأما الحواسّ الباطنة ، فمنها قوّة الحفظ ، قال تعالى : ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى﴾(٤) ومنها : قوّة الذّكاء ، قال عليّ عليهالسلام : « علّمني رسول الله صلىاللهعليهوآله ألف باب من العلم ، واستنبطت من كلّ باب ألف باب » . فإذا كان هذا حال الوليّ ، فكيف حال النبيّ ؟
وأمّا القوى المحركة ، فمثل : عروج النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى المعراج ، وعروج عيسى حيّا إلى السّماء ، ورفع ادريس وإلياس ، على ما وردت به الأخبار ، وقال تعالى : ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾(٥) .
وأمّا القوى الرّحانيّة العقليّة فلا بدّ أن تكون في غاية الكمال ، ونهاية الصّفاء.
اعلم أنّ تمام الكلام في هذا الباب أنّ النّفس القدسيّة النّبويّة مخالفة بماهيّتها لسائر النّفوس ، ومن لوازم تلك النّفس الكمال في الذّكاء والفطنة والحرية ، والاستعلاء والتّرفّع عن الجسمانيّات
__________________
(١) في المصدر : خفيف الفلك.
(٢) النمل : ٢٧ / ١٨.
(٣) السّمندل : طائر بالهند لا يحترق بالنار فيما زعموا ، ونسيج من ريش بعض الطيور لا يحترق.
(٤) الأعلى : ٨٧ / ٦.
(٥) النمل : ٢٧ / ٤٠.