وقد حبلت ! والآن افتضح في بني إسرائيل لا يشكّون أنّي أحبلتها ، فجاء إلى امرأته وقال لها ذلك ، فقالت : يا زكريّا ، لا تخف ، فإنّ الله لا يصنع بك إلّا خيرا ، فآتني مريم حتّى انظر إليها وأسألها عن حالها.
فجاء بها زكريّا إلى امرأته ، فكفى الله مريم مؤنة الجواب عن السؤال. ولمّا دخلت إلى اختها ، وهي الكبرى ومريم الصّغرى ، لم تقم إليها امرأة زكريّا فأذن الله تعالى ليحيى ، وهو في بطن امّه ، فنخس (١) بيده في بطنها وأزعجها ، وناداها : يا أمّت ، تدخل إليك سيّدة نساء العالمين ، مشتملة على سيّد رجال العالمين فلا تقومي [ إليها ] ! فانزعجت وقامت إليها ، وسجد يحيى وهو في بطن امّه لعيسى بن مريم ، فذلك كان أوّل تصديقه له ، فلذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في الحسن والحسين : « إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، إلّا ما كان من ابني الخالة عيسى ويحيى » (٢) .
﴿وَسَيِّداً﴾ فائقا على قومه ، وعلى سائر النّاس في أنّه لم يهمّ بمعصية.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما من نبيّ إلّا وقد عصى أو همّ بمعصية ، غير يحيى فإنّه لم يعص ، ولم يهمّ » (٣) .
والمراد بالمعصية ، على تقدير صحّة الرّواية ، هو ترك الأولى.
وعن تفسير الإمام [ العسكري عليهالسلام ] : في تفسير ( السيّد ) قال : « رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته » (٤) .
وعن ابن عبّاس : السيّد : الحليم. وقيل : الفقيه : العالم ، وقيل : المتقدّم المرجوع إليه (٥) .
﴿وَحَصُوراً﴾ مبالغا في حبس نفسه عن مشتهياتها مع القدرة عليها.
روي أنّه مرّ في صباه بصبيان فدعوه إلى اللّعب ، فقال : ما للّعب خلقت (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام في تفسير ( الحصور ) : « هو الذي لا يأتي النّساء » (٧) .
﴿وَنَبِيًّا﴾ صالحا معدودا ﴿مِنَ﴾ الأنبياء ﴿الصَّالِحِينَ﴾ أو ناشئا منهم ؛ لأنّه كان من أصلاب الأنبياء والصّلحاء.
__________________
(١) نخس الدابة : طعن مؤخرها بعود أو نحوه.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٦٠.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٣٧.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٦٠ / ٣٧٤.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ٣٦.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ٣٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٠.
(٧) مجمع البيان ٢ : ٧٤٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٠.