المقدس » (١) .
ثمّ بيّن الآية وفصّلها بقوله : ﴿أَنِّي أَخْلُقُ﴾ واصوّر واسوّي ﴿لَكُمْ﴾ شيئا ﴿مِنَ الطِّينِ﴾ بهيئة وصورة ﴿كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ ومثل صورته ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ﴾ فتلج فيه الرّوح ﴿فَيَكُونُ طَيْراً﴾ حيّا طيّارا كسائر الطّيور ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ وأمره وقدرته ، لا بقدرة منّي.
روي أنّه عليهالسلام لمّا ادّعى النّبوّة ، وأظهر المعجزات ، طالبوه بخلق الخفّاش ، فأخذ طينا وصوّرة ونفخ فيه ، فإذا هو يطير بين السّماء والأرض ، قال وهب : كان يطير ما دام النّاس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميّتا ، ليتميّز من خلق الله تعالى (٢) .
قيل : إنّما طلبوا خلق الخفّاس ؛ لأنّه أكمل الطّير خلقا ، وأبلغ دلالة على القدرة ؛ لأنّ له ثديا وأسنانا ، وهي تحيض وتطهر وتلد كسائر الحيوانات ، وتضحك كما يضحك الإنسان ، وتطير بغير ريش ، ولا يبصر في ضوء النّهار ولا في ظلمة اللّيل ، وإنّما يرى في ساعتين ساعة بعد الغروب ، وساعة بعد طلوع الفجر (٣) .
قيل : لم يخلق عيسى غير الخفّاش. وقيل : خلق أنواعا من الطّير (٤) .
﴿وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ﴾ ومن ولد أعمى ، أو أعوج العين ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾ وهو المبتلى بمرض البرص ، وهو لون مختلط حمرة وبياضا أو غيرهما ، ولا يحصل إلّا من فساد المزاج وخلل في الطّبيعة ، ولم تنفر العرب من شيء نفرتها منه وتخصيص هذين الدّاءين ؛ لأنّهما ممّا أعيى الأطبّاء ، مع كونهم في غاية الحذاقة [ في ] زمنه عليهالسلام.
قيل : كان يجتمع عليه عليهالسلام الوف من المرضى ، من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى عليهالسلام ، وما يداويهم إلّا بدعاء (٥) .
﴿وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ﴾ وتكرير ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ للاهتمام بدفع توهّم الالوهية.
في أن عيسى أحيا أربعة من الأموات
قيل : سألوا جالينوس عنه عليهالسلام ، فقال : الميّت لا يحيا بالعلاج ، فإن كان هو يحيي الموتى ، فهو نبيّ وليس بطبيب. فطلبوا أن يحيي الموتى ، فأحيا أربعة أنفس : [ احيا ]
__________________
(١) كمال الدين : ٢٢٠ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٢.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٥٦ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٧ ، وفي تفسير روح البيان : ليتميز فعل الخلق من فعل الله.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٣٧.
(٤) تفسير الرازي ٨ : ٥٦.
(٥) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨.