فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ
وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (٤٩)﴾
ثمّ أنّ جبرئيل بعد أن بشّرها بولادة عيسى بقوله : ﴿يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾(١) عطف عليه تبشيرها بكماله العلمي ، ومرتبة رسالته ، بقوله : ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ﴾ السّماوي الذي نزل على آدم ومن بعده ، وقيل : المراد : الكتابة والخطّ (٢) ، ﴿وَ﴾ يعلّمه ﴿الْحِكْمَةَ﴾ والعلوم العقليّة والشّرعيّة ، وتهذيب الأخلاق ﴿وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ وإفرادهما بالذّكر بعد ذكر جنس الكتاب الشّامل لهما ، لزيادة فضلهما ، وإنافتهما على غيرهما.
روي أنّ عيسى عليهالسلام حفظ التّوراة وهو في بطن امّه ، وكانت مريم تسمع عيسى وهو يدرس في بطنها (٣) .
في بيان زهد عيسى عليهالسلام
ثمّ لمّا شرّف عالم الشّهود أعطاه [ الله ] الزّهادة في الدّنيا ؛ فإنّه كان يلبس الشّعر ، [ و] يتوسّد الحجر ، ويستنير القمر ، وقد كان له قدح يشرب فيه الماء ، [ ويتوضّأ ] فيه فرأى رجلا يشرب بيده. فقال لنفسه : يا عيسى ، هذا أزهد منك ، فرمى القدح وكسره.
واستظلّ يوما في ظلّ خيمة عجوز ؛ وكان قد لحقه حرّ شديد ، فخرجت العجوز فطردته ، فقام وهو يضحك فقال : يا أمة الله ، ما أنت أقمتني ، وإنّما أقامني الذي لم يجعل لي نعيما في الدّنيا ولمّا رفع إلى السّماء ، وجد عنده إبرة كان يرقع [ بها ] ثوبه ، فاقتضت الحكمة الإلهيّة نزوله في السّماء الرّابعة (٤) .
﴿وَ﴾ يبعثه ﴿رَسُولاً﴾ في حال الصّبا ، أو بعد البلوغ ، أو بعد ثلاثين سنة ﴿إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ حال كونه قائلا : ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ يا بني إسرائيل ﴿بِآيَةٍ﴾ عظيمة ، ومعجزة باهرة ، دالّة على صدق نبوّتي ، كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ومكمّل نفوسكم ، ومصلح امور دنياكم وآخرتكم.
قيل : إنّ أوّل أنبياء بني إسرائيل يوسف ، وآخرهم عيسى (٥) .
روي في ( الإكمال ) : عن الباقر عليهالسلام : « أنّه ارسل إلى بني إسرائيل خاصّة ، وكانت نبوّته ببيت
__________________
(١) آل عمران : ٣ / ٤٥.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٧.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ٣٦.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٣٦.
(٥) تفسير أبي السعود ٢ : ٣٨ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٧.